تشهد السجون وأقسام الشرطة تصاعداً خطيراً في أعداد الوفيات بين المعتقلين والمحبوسين احتياطياً، في ظل اتهامات متكررة للسلطات الأمنية بانتهاج سياسة ممنهجة من الإهمال الطبي والتعذيب ومجاملة النفوذ الأمني، وسط صمت رسمي وتجاهل لمطالبات التحقيق والمحاسبة.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية فقط، سُجّلت ست وفيات مأساوية في محافظات مختلفة، في وقائع متشابهة تؤكد سوء الأوضاع داخل مقار الاحتجاز.
مأساة جديدة في شبرا الخيمة
في قسم شرطة ثاني شبرا الخيمة، لفظ الموظف ببنك مصر وليد أحمد طه أنفاسه الأخيرة بعد أيام من احتجازه على خلفية شجار مع أحد جيرانه.
ووفق شهادة شقيقه، فإن الواقعة بدأت عندما اعتدى أحد البلطجية المسلحين على وليد بسلاح ناري أمام المارة، إلا أن تدخل نفوذ شقيق المعتدي – وهو أمين شرطة – قلب الموازين لصالح الجاني.
وقال شقيق الضحية: «شقيق جار أخويا أمين شرطة، وقسم ثاني شبرا ضغط على أخويا للتنازل، لكنه رفض، فقاموا بحبسه مجاملة لأمين الشرطة، وبعد أيام قليلة فوجئنا بوفاته داخل الحجز، بينما مأمور القسم رفض تحرير محضر بالواقعة».
الأسرة اتهمت قسم الشرطة بـ"تلفيق محضر" ضد وليد لصالح البلطجي، مؤكدة أن وفاته جاءت نتيجة الضغوط والانتهاكات داخل القسم.
ضحايا قسم المنتزه بالإسكندرية
في محافظة الإسكندرية، شهد قسم شرطة المنتزه وفاة شابين في أقل من 24 ساعة:
- رمضان السيد حسن (إسلام) – أب لطفلين، قُبض عليه بدلاً من شقيقه على خلفية نزاع مالي مع عائلة نافذة مقربة من حزب مستقبل وطن. لقي حتفه بعد تعرضه للتعذيب والضرب داخل القسم لإجباره على كشف مكان شقيقه.
- محمد أحمد سعد (الصاوي) – أب لأربعة أطفال، كان يقضي حكماً بالحبس 6 أشهر بتهمة تعاطي، وكان موعد خروجه قد حان يوم وفاته.
أصيب بارتفاع شديد في الحرارة نتيجة الاكتظاظ وسوء التهوية، ورغم نقله أكثر من مرة إلى مستشفى رأس التين العام، أُعيد إلى الحجز وهو في حالة خطيرة، ليفارق الحياة داخل القسم.
ضحايا في قنا وكفر الشيخ
- في قنا، توفي المواطن حازم فتحي داخل محبسه بعد خمسة أشهر من اعتقاله بسبب مشاجرة مع ضابط شرطة داخل متجره، بعدما رفض منحه بضائع "على الحساب". القصة التي بدأت بابتزاز أمني وانتهت بالاعتقال، انتهت أيضاً بالموت الغامض في الزنزانة.
- في كفر الشيخ، أعلنت السلطات وفاة المعتقل فريد محمد عبد اللطيف شلبي (الشيخ فريد) داخل مقر قوات الأمن المركزي. كان قد اعتُقل قبل أسابيع واختفى قسرياً، قبل أن يُعلن خبر وفاته في ظروف غامضة.
إمام مسجد يرحل بعد 12 عاماً في السجون
داخل سجن وادي النطرون، رحل الشيخ علي حسن عامر أبو طالب، إمام مسجد عثمان في كرداسة، عن عمر ناهز 75 عاماً. قضى 12 عاماً خلف القضبان وسط حرمان من العلاج، لتأتي وفاته بمثابة شاهد جديد على سياسة "الموت البطيء" بحق المعتقلين.
وفاة "كيرلس" في قسم الأهرام بالجيزة
وفي قسم الأهرام بمحافظة الجيزة، توفي الشاب وائل شكري الشهير بـ"كيرلس" بعد أسبوع من اعتقاله.
أسرته أكدت تعرضه للتعذيب على أيدي مأمور القسم ورئيس المباحث.
وائل، الذي كان يعاني من إعاقة جسدية بسبب حادث سير قديم، لم يحتمل العنف البدني والنفسي الذي تعرض له، فخرج من الحجز جثة هامدة.
أرقام كارثية منذ 2013
بحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، بلغ إجمالي الوفيات داخل السجون ومقار الاحتجاز منذ منتصف 2013 وحتى مطلع 2025 نحو 1,222 حالة وفاة، معظمها نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي أو ظروف الاحتجاز القاسية.
وفي عام 2023 وحده، سُجلت 31 حالة، بينما وثّقت منظمة حقهم الحقوقية 1,176 وفاة خلال عشر سنوات.
غياب الشفافية والمحاسبة
ورغم هذه الأرقام المروعة، لا تزال السلطات ترفض فتح تحقيقات جدية في وقائع الوفيات، فيما يواجه جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية اتهامات مباشرة باستخدام مقار احتجاز سرية لممارسة التعذيب، معتمدة على التعتيم الإعلامي وغياب الرقابة القضائية.