كشفت مجلة أمريكية بارزة عن تراجع الدور المصري الإقليمي وتنامي حالة الارتهان لإسرائيل، في ظل صفقة الغاز الضخمة التي وقعتها القاهرة مع تل أبيب وتمتد حتى عام 2040، معتبرة أن هذه الصفقة تحوّل مصر من قوة إقليمية لطالما لعبت دور الوسيط في النزاعات العربية – الإسرائيلية، إلى طرف مقيد اقتصاديًا وسياسيًا لا يملك القدرة على انتقاد إسرائيل أو ممارسة ضغط فعّال عليها.

ونشر موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” التابع لمعهد “كوينسي لإدارة الدولة المسؤولة” الأمريكي تقريرًا مطولًا بعنوان: “لماذا لا تستطيع مصر انتقاد إسرائيل لعقدين آخرين على الأقل؟”.
وأكد أن الصفقة، التي أعلنت عنها شركة الطاقة الإسرائيلية “نيو ميد إنرجي”، بقيمة تقارب 35 مليار دولار حتى عام 2040، تمثل ثلاثة أضعاف واردات مصر الحالية من الغاز، وهو ما يضع القاهرة في موقع التبعية للطاقة الإسرائيلية.
 

القاهرة أمام أزمة طاقة خانقة
أشار التقرير إلى أن المسؤولين المصريين حاولوا التخفيف من وقع الإعلان بالقول إنها مجرد “تعديل” لاتفاقية سابقة أُبرمت عام 2019، غير أن حجم الصفقة – وهو الأكبر في تاريخ صادرات إسرائيل – يعكس اعتمادًا مصريًا متزايدًا وخطيرًا على الغاز الإسرائيلي.

هذا الاعتماد لم يأتِ من فراغ؛ فقد تراجع إنتاج مصر المحلي من الغاز خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، بعد أن كانت في فترة قريبة مصدّرًا صافيًا للغاز الطبيعي المسال.

وتسبب ذلك في أزمات داخلية متكررة، أبرزها انقطاعات الكهرباء المتكررة خلال موجات الحر، ما أدى إلى شلل في قطاعات الأعمال وتنامي حالة الغضب الشعبي.
 

إسرائيل الرابح الأكبر
بحسب التقرير، تمثل الصفقة مكسبًا استراتيجيًا ضخمًا لإسرائيل، فهي تؤمن لها تدفقًا طويل الأمد للإيرادات وتُعزز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة بشرق المتوسط، فضلًا عن ربطها أكبر دولة عربية سكانيًا بمصالح اقتصادية تجعلها عاجزة عن تبني سياسات معادية.

كما أن أي تعطل في الإمدادات – كما حدث في مايو الماضي عندما توقفت أعمال الصيانة في حقل ليفياثان الإسرائيلي – يضع القاهرة في مأزق اقتصادي وصناعي حاد، ويفضح حجم هشاشتها أمام الضغوط الإسرائيلية.
 

تراجع الدور الإقليمي لمصر
يشير التقرير إلى أن هذا الاعتماد على إسرائيل قلّص قدرة القاهرة على لعب دورها التاريخي كوسيط رئيسي في الملف الفلسطيني.
فقد تقلص نفوذها في مفاوضات وقف إطلاق النار، وأصبحت أقرب إلى مجرد مدير للأزمات بدلاً من صانع للقرارات.

هذا التراجع تجلى مؤخرًا عندما وجه القيادي في حركة حماس خليل الحيّة رسالة إلى الشعب المصري ناشدهم فيها التحرك لضمان عدم موت غزة جوعًا.
وقد اعتُبر ذلك بمثابة اتهام ضمني للدولة المصرية بالتقصير، الأمر الذي دفع النظام المصري لشن حملة إعلامية مضادة واسعة، شملت تصريحات نارية من ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، واتهامات إعلامية لحماس بـ"الخيانة".

الأخطر، بحسب التقرير، كان إجبار مؤسسة الأزهر على سحب بيان أدان المجاعة في غزة، تحت ضغوط من مؤسسة الرئاسة، وهو ما كشف عن خوف عميق لدى النظام من أي خطاب يربط مصر بمعاناة الفلسطينيين في ظل سيطرتها الجزئية على معبر رفح.