مع دخول اليوم الثاني من انتخابات مجلس الشورى، تتزايد الأسئلة حول نزاهة العملية الانتخابية بعد رصد عدد من الانتهاكات والخروقات التي وثقتها منظمات حقوقية ومراقبون مستقلون.
ورغم تكرار هذه الملاحظات في مناطق ومحافظات مختلفة، تواصل الهيئة الوطنية للانتخابات التزام الصمت، مما يثير مخاوف متجددة بشأن الشفافية والعدالة في مجريات التصويت.
مشهد انتخابي باهت… واتهامات بالتوجيه والتزوير
رغم الحشد الإعلامي الرسمي والإعلانات المكثفة على الشاشات وصفحات التواصل الاجتماعي لحث المواطنين على المشاركة، بدا المشهد في كثير من اللجان هادئًا إلى حد كبير، مع إقبال محدود في عدد من المحافظات، وازدحام ملحوظ في مناطق بعينها يُقال إنها خاضعة لتأثير مباشر من دوائر السلطة أو المال السياسي.
المراقبون أشاروا إلى رصد حالات متعددة من التوجيه الجماعي للناخبين داخل اللجان، خاصة من كبار السن، حيث تم الإبلاغ عن توجيه واضح لاختيار مرشحين محددين دون اعتراض من رؤساء اللجان أو الموظفين المشرفين على التصويت.
أنواع الانتهاكات التي تم رصدها
وفقًا لعدة تقارير أولية من مراقبين ميدانيين وحقوقيين، شملت الخروقات المزعومة خلال اليومين الأول والثاني من الانتخابات ما يلي:
- الدعاية الانتخابية أمام مقار التصويت: تم توثيق حالات توزيع منشورات انتخابية وتسيير سيارات تحمل صور مرشحين أمام عدد من اللجان، وهو أمر محظور قانونًا خلال يومي التصويت.
- التصويت الجماعي وتوجيه الناخبين: أشار مراقبون إلى تدخل مباشر من بعض مندوبي المرشحين داخل اللجان لمساعدة الناخبين، فيما وُصِف بأنه "توجيه انتخابي مقنّع".
- شراء الأصوات: تم الإبلاغ عن توزيع "كراتين مواد غذائية" و"مبالغ مالية" للناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم، خاصة في المناطق الشعبية.
- غياب الحبر الفسفوري في بعض اللجان: وهي وسيلة تقليدية لمنع التصويت المتكرر، وغيابها يثير مخاوف من إمكانية تكرار التصويت.
- منع مراقبين من دخول بعض اللجان: أبلغت منظمات محلية عن منع بعض مراقبيها من دخول لجان التصويت، دون أسباب واضحة، رغم امتلاكهم تصاريح رسمية من الهيئة الوطنية.
- استغلال وسائل النقل العامة والخاصة: تم تنظيم رحلات جماعية تنقل الناخبين إلى اللجان، تحت إشراف جهات مرتبطة بمرشحين بعينهم، وهو ما اعتبره مراقبون "تعبئة غير نزيهة".
صمت الهيئة الوطنية للانتخابات: غياب الشفافية؟
رغم تعدد الشكاوى، لم تصدر الهيئة الوطنية للانتخابات أي بيان توضيحي بشأن هذه التجاوزات حتى ظهر اليوم الثاني من التصويت. ويأتي هذا الصمت ليعزز الانتقادات المتكررة الموجهة للهيئة بعدم الحياد، وعدم وجود آلية واضحة للتعامل مع البلاغات أو الطعون في أثناء العملية الانتخابية.
يقول الدكتور محمود عبد الغفار، الباحث في شؤون الحوكمة الانتخابية: "المشكلة ليست فقط في وجود الانتهاكات، بل في تجاهل الجهات المنظمة لها، وكأنها غير مرئية. هذا يقوض ثقة المواطنين في كامل العملية الديمقراطية".
أصوات حقوقية: "نحن لا نراقب انتخابات بل استعراضًا سياسيًا"
العديد من المنظمات الحقوقية المحلية، مثل مركز الحق في المشاركة ومؤسسة نزاهة للشفافية الانتخابية، أصدرت بيانات أولية وصفت فيها الانتخابات بـ"الضعيفة شكليًا والمفرغة موضوعيًا"، مشيرة إلى أن:
- البيئة السياسية غير متكافئة حيث يعاني المرشحون المستقلون من صعوبات كبيرة في التحرك والدعاية، مقابل امتيازات واضحة لمرشحي أحزاب موالية للسلطة.
- وسائل الإعلام منحازة: حيث يتم استضافة مرشحين بعينهم بشكل متكرر، دون فرص متساوية للآخرين.
- الحياد الأمني غائب: مع تزايد تقارير عن "مرافقة أمنية غير مبررة" لبعض المرشحين داخل محيط اللجان.
يقول المحامي الحقوقي هشام محسن: "ما نراه الآن لا يمكن وصفه بانتخابات نزيهة، بل إعادة إنتاج لمشهد ديكوري، لا يعبّر عن إرادة شعبية حقيقية".
رأي المراقبين الدوليين: قلق وتحفظ
حتى اللحظة، لم تصدر بعثات المراقبة الدولية مواقف واضحة، لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن بعض المراقبين الأوروبيين عبّروا عن "ملاحظات مقلقة" تتعلق بتقييد حرية الوصول للمعلومات ومنع مراقبين محليين من أداء دورهم.
ومن المقرر أن تصدر تقارير أولية خلال اليوم التالي لإغلاق الصناديق، وقد تُحدد هذه التقارير موقفًا حاسمًا بشأن نزاهة الانتخابات من عدمها في أعين المجتمع الدولي.
ضعف الإقبال... مؤشر رفض شعبي أم إحباط سياسي؟
اللافت أن ضعف الإقبال على التصويت في كثير من اللجان يطرح تساؤلات حول الشرعية الشعبية لهذه الانتخابات. فالكثير من المواطنين لا يرون فائدة من المشاركة في عملية لا تمنحهم فرصة حقيقية للاختيار، خاصة في ظل غياب معارضة حقيقية، وإحساس عام بأن النتائج "محسومة سلفًا".
قال أحد المواطنين في محافظة الشرقية لمراسل صحفي محلي: "ليه أروح أنتخب؟ أنا مش عارف حتى مين المرشحين، وكل اللي نازل يا تبع الحزب يا تبع الحكومة... إحنا بس بنشوفهم وقت الانتخابات."
من المسؤول؟ وماذا بعد؟
مع انتهاء اليوم الثاني من التصويت، يظل السؤال الأبرز: من يضمن نزاهة العملية الانتخابية؟
في ظل غياب الشفافية، وضعف الرقابة، والتغاضي عن الانتهاكات، يصبح مصير مجلس الشورى القادم محاطًا بالشكوك منذ ولادته.
ومع تفاقم الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فإن فقدان الثقة في المؤسسات التشريعية قد يُعمق أزمة المشاركة السياسية، ويزيد من فجوة المواطن مع الدولة.
مطالب المراقبين والمنظمات:
- إصدار تقرير يومي شفاف من الهيئة الوطنية للانتخابات.
- السماح الكامل بدخول المراقبين المحليين والدوليين دون عراقيل.
- فتح باب الطعون بشكل علني وفوري.
- التحقيق في التجاوزات الموثقة ومعاقبة المسؤولين عنها.
- مراجعة أساليب إدارة الانتخابات بشكل شامل قبل أي استحقاق سياسي جديد.
وختامًا فإن الانتخابات ليست فقط صناديق تُقاس عليها الديمقراطية ، بل بالثقة في العملية بأكملها، وأن استمرار الخروقات في الظل، وتجاهلها كأن "لا أحد شاهد شيئًا"، فإننا نكون أمام عملية بلطجة سياسية تثبت أنه لا فائدة ولا مرجو من النظام الحالي الذي يستمر في الاقصاء.
فما حدث في اليومين الماضيين يطرح تحديًا صعبًا أمام الأحرار من المصريين هل سيصمتون وحياتهم السياسية تسلب منهم، أم أن ذلك سيكون دافع جديد للتحرر والانتفاضة ضد هذا النظام القمعي.