في الأيام القليلة الماضية، تحوّلت أخبار القبض على عدد من مشاهير "التيك توك" إلى قضية رأي عام، تصدرت عناوين الصحف ومقدمات البرامج الحوارية، واحتلت مساحات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.
وبينما انشغل الجمهور بجدل "العفاف والفجور"، و"تهديد القيم الأسرية"، كان هناك واقع أكثر قسوة يختبئ في الظل أزمات اقتصادية، ديون متصاعدة، خدمات متدهورة، وواقع معيشي خانق للملايين من المصريين.
يطرح هذا التقرير السؤال الحرج:
هل يُستخدم مشاهير "التيك توك" كـ أدوات إلهاء ممنهج؟
وهل تُدار موجات الغضب الأخلاقي لإخفاء فشل سياسي واقتصادي واجتماعي أوسع نطاقًا؟
السياق العام: الأزمات تتكاثر
قبل الخوض في قضايا التيك توك، لا بد من نظرة عامة على الواقع المصري الراهن:
- الدين العام بلغ قرابة 14.7 تريليون جنيه في الربع الأول من العام الحالي.
- الأسعار تقفز بشكل شبه أسبوعي، مع ضعف القوة الشرائية وانهيار الطبقة المتوسطة.
- نقص في الأدوية، ومشكلات في التعليم والصحة، وتدهور خدمات البنية التحتية.
- فجوة متزايدة بين الغنى الفاحش لطبقة محيطة بالسلطة، والفقر المدقع لمعظم المواطنين.
في خضم هذا الانهيار الصامت، تظهر فجأة قضية "فتاة ترقص"، أو "شاب يضحك بصوت مرتفع"، أو "ثنائي يتبادل النكات الغرامية على تيك توك".
وهنا يبدأ الإعلام الرسمي وغير الرسمي في تضخيمها لتصبح معركة القيم والهوية، لا معركة رغيف العيش والمستقبل الغائب.
من هم "عصافير التيك توك"؟
مصطلح "عصافير التيك توك" لا يشير إلى منصة تيك توك بعينها، بل إلى:
- موجة من مشاهير المنصات القصيرة الذين يصنعون محتوى خفيفًا أو جدليًا.
- في الأغلب، من الطبقات الشعبية أو المهمشة.
- ليس لديهم خلفيات سياسية، ولا توجهات فكرية، بل يسعون فقط إلى الشهرة والربح.
تم القبض على العديد منهم خلال الشهور الأخيرة، أبرزهم:
- شيماء المعروفة بـ “شاكوشة”: تم اتهامها بنشر الفجور والإساءة إلى القيم الأسرية.
- فتاة المطرية: أثار مقطع رقص لها ضجة، وتم القبض عليها خلال ساعات.
كائن الهوهوز، ومودة الأدهم، وحنين حسام: نماذج متكررة لنفس النمط.
الغريب أن القضايا تُعالج دائمًا من منظور أخلاقي صرف، في تجاهل تام للبيئة الاجتماعية التي أنتجت هؤلاء، وللأسباب الاقتصادية التي دفعتهم لهذا النوع من المحتوى.
الإلهاء كأداة سياسية
يرى مراقبون أن هذا التضخيم الممنهج لقضايا تافهة يخدم أهدافًا سياسية واضحة:
- صرف انتباه الشارع عن الأزمات الحقيقية:
- بدلًا من الحديث عن فشل السياسات الاقتصادية، يتم إشغال الجمهور بـ"الفساد الأخلاقي".
- خلق عدو وهمي دائم: "التيك توك خطر على قيم الأسرة"، و"المجتمع في خطر من بنات لا يرتدين الحجاب"، وهي رسائل تُستخدم لتفريغ الغضب العام في اتجاهات آمنة.
- تبرير التشدد الأمني: عبر الحديث عن "أمن أخلاقي"، يتم تمرير سياسات رقابية وإلكترونية شديدة.
الإعلام وأداء المهرجان الأخلاقي
أمثلة عديدة على استخدام الإعلام في توجيه الاهتمام:
- عمرو أديب يظهر غاضبًا ومتحمسًا في كل قضية تيك توك، يصرخ ضد الانحلال.
- تامر أمين وأحمد موسى وغيرهم يتبنون خطابًا محافظًا فجائيًا رغم دعمهم الكامل للسلطة ومشروعاتها المهدرة.
- وسائل الإعلام الرسمية تتحدث عن "حرب أخلاقية" في وقت يتضور فيه المواطنون من الجوع.
المثير للسخرية أن القنوات ذاتها التي تهاجم تيك توك، تقوم ببث مقاطع مشابهة تمامًا تحت مسميات "تسلية"، في تناقض فج.
ماذا قال علاء وجمال مبارك؟ ولماذا الآن؟
خلال الأسابيع الماضية، ظهر علاء وجمال مبارك في أكثر من مناسبة:
- جمال مبارك يتحدث عن "الحاجة لعدالة اقتصادية".
- علاء ينشر صورًا ولقطات تدغدغ الذاكرة الجماهيرية لعصر مبارك.
تزامن ظهورهم مع حملات "الإلهاء"، وأثار تساؤلات عن دورهم في إعادة توجيه الغضب أو إعادة إنتاج خطاب الحنين للماضي كوسيلة لتبرير الحاضر.
وبينما يتحدثون عن الشعب، لم يقدّموا أي تفسير لتورطهم السابق في منظومة الفساد التي مهّدت لما نراه اليوم.