كشفت مصادر مطلعة عن تعرّض شيخ الأزهر الشريف، الإمام الأكبر أحمد الطيب، لضغوط عليا من مؤسسات سيادية في الدولة، أجبرته على سحب بيان شديد اللهجة كان قد صدر عن مشيخة الأزهر بشأن المجاعة الكارثية في قطاع غزة والجرائم الإنسانية المرتكبة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
البيان الذي تم نشره بالفعل عبر منصات إعلامية عدة، بينها مواقع مملوكة لشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهاز المخابرات العامة، لم يظل طويلًا على الساحة.
فما هي إلا ساعات حتى صدر توجيه عاجل من مشيخة الأزهر بحذفه فورًا، بدعوى أنه "قيد التعديل"، وهي عبارة اعتاد المتابعون للشأن السياسي المصري على قراءتها كمصطلح دبلوماسي للتراجع تحت الضغط.
لكن بحسب ما أكدته مصادر، فإن حذف البيان لم يكن وليد إرادة داخل المؤسسة الدينية العريقة، بل جاء استجابة لطلب مباشر من جهات سيادية، طالبت شيخ الأزهر بضرورة تهدئة النبرة وتجنب أي تصعيد يتعارض مع ما وصفته المصادر بـ"المسار الدبلوماسي الحساس" الذي تتبناه القاهرة تجاه الملف الفلسطيني.
وتشير المعلومات إلى أن تواصلًا مباشرًا جرى بين مسؤولين رفيعي المستوى وشيخ الأزهر، لإقناعه بضرورة سحب البيان حفاظًا على ما سُمي "توازن الدور المصري في الوساطة بين حماس وإسرائيل"، ودرءًا لما قد يعتبر "إحراجًا سياسيًا" في المحافل الدولية.
بيان غير مسبوق منذ اندلاع الحرب
بيان الأزهر الذي تم حجبه، وحصلت المصادر نسخة كاملة منه، تميز بلغة غير معهودة من المؤسسة الدينية منذ سنوات، إذ جاء محملًا بتوصيفات حادة وإدانة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي، واعتبار ممارساته في غزة "جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان". كما ألقى باللوم على الدول والجهات التي تدعم الاحتلال عسكريًا وسياسيًا، متهمًا إياها بالمشاركة في جرائمه.
وجاء في البيان:
"الضمير الإنساني يقف على المحك، وهو يرى آلاف الأطفال يُقتلون بدم بارد، ومن ينجو منهم يلقى حتفه بسبب الجوع والعطش والجفاف. من يمد هذا الكيان بالسلاح أو يشجعه بالكلمات المنافقة، فهو شريك في هذه الإبادة".
ووصف البيان الوضع في غزة بأنه مجاعة "قاتلة" تفرضها آلة الاحتلال بوحشية غير مسبوقة، معرّجًا على استهداف المراكز الطبية ومخازن الإغاثة ومراكز النازحين، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والدينية.
ولم يخلُ البيان من تلميحات دينية قوية إذ جاء فيه:
"وسوف يحاسبهم الحَكَم العدل، والمنتقم الجبار، يوم لا ينفع مال ولا بنون"،
كما استشهد بالحكمة الشهيرة: "أُكلنا يوم أُكِل الثور الأبيض"، في إشارة إلى تواطؤ وصمت بعض الأنظمة والقوى الدولية.
مكانة الأزهر وتأثيره
يمثل الأزهر الشريف، بما له من وزن روحي وتاريخي في العالم الإسلامي، أحد أبرز الأصوات الدينية في الدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لذلك فإن صدور بيان بتلك النبرة، ثم سحبه تحت ضغط سياسي، يعكس حجم الحساسية التي تحيط بمواقف الدولة في هذه المرحلة الدقيقة من الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقد علّق أحد الباحثين في الشأن الديني والسياسي على الواقعة قائلًا:
"الأزهر ليس مجرد مؤسسة دينية، بل صوت يُحسب له ألف حساب في العالم الإسلامي، إجباره على التراجع يُعتبر ليس فقط تقليصًا لدوره، بل أيضًا مؤشرًا على حجم الانضباط السياسي المفروض على المؤسسات الكبرى في مصر".
صمت دولي يُدين نفسه
البيان – رغم حذفه – لم يخلُ من هجوم لاذع على ما وصفه بـ"الصمت العالمي المريب"، والتقاعس الفاضح من المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في غزة، مؤكدًا أن الأزهر "يبرأ أمام الله من هذا الصمت المخزي، ومن أي دعوة لتهجير أهل غزة أو تبرير هذه الجرائم الوحشية".
كما دعا المسلمين حول العالم إلى الدعاء لنصرة المظلومين، مستحضرًا دعاء النبي: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَاب، ومُجْرِيَ السَّحَاب، وهَازِمَ الأحْزَاب، اهْزِمْهُمْ وانْصُرنا عليهم".