سجل الجنيه المصري، خلال تعاملات أمس الأربعاء 23 يوليو 2025، ارتفاعًا ملحوظًا أمام الدولار الأمريكي، ليصل إلى مستوى 29.70 جنيهًا للدولار في السوق الرسمية، مقارنة بـ31.25 جنيهًا في مارس الماضي.

ويمثل هذا الارتفاع أفضل أداء للعملة المصرية منذ نوفمبر 2024، وهو ما وصفه اقتصاديون بأنه "مؤشر على حالة تعافي تدريجي للعملة المحلية بدعم من عوامل داخلية وخارجية".

 

تحرك تدريجي منذ مارس: ما الذي تغيّر؟

شهد الجنيه المصري موجة من الاستقرار النسبي منذ الربع الثاني من العام الجاري، بعد سلسلة من التراجعات الحادة التي استمرت منذ بداية 2022.

وبدأ التحسن في أواخر مارس 2025، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن تلقي الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار، ضمن برنامج إصلاح اقتصادي ممتد بقيمة إجمالية 8 مليارات دولار.

كما ساهمت موجة الاستثمارات الخليجية، خاصة من الإمارات والسعودية، والتي بلغت 12.5 مليار دولار خلال النصف الأول من 2025، في دعم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي، الذي ارتفع إلى 40.2 مليار دولار في يونيو، مقارنة بـ34.1 مليار في ديسمبر 2024.

وفي أول تعليق رسمي على ارتفاع الجنيه، قال وزير المالية المصري أحمد كوجوك إن "تحسن قيمة الجنيه يعكس نجاح الدولة في استعادة التوازن المالي والنقدي، ويأتي في ضوء تراجع عجز الحساب الجاري وتحسن ميزان المدفوعات".

وأضاف أن الحكومة تعمل على خفض معدل التضخم تدريجيًا، بعد أن وصل إلى 35.7% في فبراير الماضي، ليتراجع إلى 27.4% في يونيو 2025.

من جانبه، صرّح محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله أن "قيمة العملة المصرية يجب أن تُترك لعوامل العرض والطلب"، مشيرًا إلى أن التحسن الأخير نابع من "تدفقات دولارية قوية في السوق الرسمية، وتقلص في الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي".

 

السوق السوداء تنكمش..

اللافت أن التحسن في الجنيه جاء مصحوبًا بانكماش ملحوظ في السوق الموازية، حيث تراجع سعر الدولار في السوق السوداء إلى مستويات قريبة من الرسمية، بعد أن كان الفارق يتجاوز 5 جنيهات خلال الربع الأخير من 2024.

ووفقًا لتقارير محلية، فقد اختفت مظاهر المضاربة على العملة من المناطق التجارية والأسواق الحدودية، بسبب ارتفاع المعروض من الدولار من خلال البنوك والصرافات المعتمدة.

وأكّد رئيس شعبة الصرافة باتحاد الغرف التجارية محمد الأبيض أن "العرض الدولاري تحسّن بصورة ملموسة خلال الأسابيع الماضية، لا سيما من خلال تحويلات المصريين بالخارج التي ارتفعت إلى 10.3 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ8.1 مليار دولار في نفس الفترة من 2024".

 

ساهم ارتفاع الجنيه في ضخ جرعة تفاؤل بأسواق المال، حيث سجل مؤشر البورصة الرئيسي EGX30 ارتفاعًا بنسبة 2.6% خلال تعاملات اليوم، مدعومًا بمكاسب لأسهم القطاع المصرفي والعقاري.

وقال المحلل المالي مصطفى نور الدين إن "تحسن الجنيه يعطي إشارات إيجابية للمستثمرين، خاصة الأجانب، الذين كانوا يترقبون استقرارًا نقديًا قبل العودة بضخ استثمارات مباشرة أو غير مباشرة".

كما شهدت سندات الخزانة المصرية إقبالًا في مزادات يوليو، حيث انخفض متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل 12 شهرًا إلى 23.4% بعد أن تجاوز 25.5% في مايو الماضي، في إشارة إلى تراجع المخاوف بشأن مخاطر العملة.

 

ماذا بعد؟ تحديات قائمة رغم التحسن

رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة، حذر خبراء اقتصاديون من الإفراط في التفاؤل، مشيرين إلى أن الجنيه لا يزال تحت ضغوط خارجية تتعلق بالديون الخارجية التي بلغت 168 مليار دولار حتى مارس 2025، إضافة إلى استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة وتأثر قطاع الاستيراد بضوابط التمويل.

ويرى الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة السابق بمجلس النواب، أن "استدامة تحسن الجنيه تتطلب تعزيز الإنتاج المحلي، وضمان استقرار سياسي واقتصادي، وتوجيه الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات إنتاجية وليست فقط مالية أو عقارية".

 

التوقعات المستقبلية

يتوقع محللو مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية أن يستمر الجنيه المصري في التحسن على المدى المتوسط، وقد يصل إلى مستوى 28.5 جنيهًا للدولار بنهاية عام 2025، في حال استمرت الإصلاحات الاقتصادية وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي.

في المقابل، ترى وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أن "تحركات العملة المصرية لا تزال مرتبطة بعوامل خارجية هشة، مثل أسعار الفائدة الأمريكية وتحويلات العاملين بالخارج، وأن أي تراجع مفاجئ في هذه المصادر قد يعيد الضغوط على العملة".

 

بداية تعافي أم استراحة مؤقتة؟

يعكس صعود الجنيه المصري أمام الدولار تحسنًا مرحليًا في عدد من المؤشرات الاقتصادية، مدعومًا بعودة التدفقات الدولارية من مصادر متعددة، أبرزها صندوق النقد، والاستثمارات الخليجية، وتحويلات المصريين، غير أن الاستقرار الكامل للعملة المحلية سيظل مرهونًا بعمق الإصلاحات واستمرارية الجهود في السيطرة على الدين العام، وتعزيز الإنتاج المحلي.