ممدوح الولي
خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين سابقًا
مع وفاة 18 فتاة، بالإضافة إلى سائق السيارة التي كانت تقلهن خلال عودتهم من عملهن بقطف العنب، في حادث تصادم على الطريق الإقليمي في بمحافظة المنوفية المصرية في السابع والعشرين من الشهر الماضي، حرصت الصحف الحكومية على نشر الخبر في الصفحات الداخلية، رغم كثرة عدد الضحايا ورغم ما لقيه الحادث من تعاطف شعبي، اتساقا مع نهج نشر الإنجازات فقط وتفادي التعرض لأية سلبيات.
وعندما تكرر وقوع حادث على نفس الطريق الإقليمي في الخامس من الشهر الحالي، والذي أسفر عن مصرع تسعة أشخاص وإصابة 11 شخصا آخرين ونشرته الصحف الحكومية أيضا في الصفحات الداخلية، حرصت الصحف على أن تركز تغطية الحادث صحفيا على ذكر جهود المسؤولين لعلاج المصابين ونقل الجثث، دون أية تفاصيل عن الضحايا؛ من هم، وأعمارهم وماذا يعلمون وإلى أي المحافظات ينتمون، تماما كما يفعل الإعلام الغربي مع شهداء ومصابي غزة بالتعامل معهم كمجرد أرقام، دون تناول قصصهم الإنسانية، في محاولة مقصودة للإسراع بنسيان الجمهور للحادث، وهو ما تكفل به حادث حريق سنترال رمسيس الذي وقع في السابع من الشهر الحالي، والذي أثر على كفاءة الإنترنت لعدة أيام في أنحاء عديدة من العاصمة، بما لذلك من تداعيات على العمل في الشركات والبنوك.
وما نود الإشارة إليه في حادث وفاة فتيات المنوفية الثماني عشرة، هو أنه تكرار لما يسميه الكثيرون حوادث فتيات الترحيلة، أي الفتيات اللاتي يعملن باليومية في الحقول وبساتين الفاكهة، واللاتي تكررت حوادث مصرعهن خلال السنوات العشرين الأخيرة خلال ذهابهن أو عودتهن من العمل، سواء الراكبات للجرارات الزراعية أو الراكبات لسيارات النقل المكشوفة أو الميكروباصات، مما يعني عدم التوجه الرسمي لتلك القضية المزمنة، والتي لا يقتصر تكرارها على العمالة النسائية الزراعية بل يتكرر أيضا مع العمالة الزراعية من الرجال والشباب.
1.4 مليون مشتغلة خارج المنشآت
وكمحاولة للاقتراب من قضية فتيات الترحيلة التي لم تجد أدنى اهتمام رسمي بها، رغم كبر عدد ضحاياها وإعداد مركز الأرض لحقوق الإنسان دراسة عنها قبل سنوات، نتعرف على العمالة النسائية في مصر من خلال البيانات الرسمية المنشورة في النشرة السنوية لبحث القوى العاملة لعام 2024، والذي يصدره جهاز الإحصاء الحكومي، لنجد عدد المشتغلات قد بلغ 4.939 مليون مشتغلة.
ويتوزع هذا العدد حسب القطاع الذي يتم العمل به ما بين: 1.760 مليون مشتغلة تعمل في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام والقطاع العام، و3.148 مليون مشتغلة يعملن في القطاع الخاص و32 ألف يعلمن في القطاع التعاوني والمنظمات الدولية العاملة في مصر.
وهكذا يستوعب القطاع الخاص نسبة 64 في المئة من العمالة النسائية، مقابل 36 في المئة بالقطاع الحكومي، لكن العمل في القطاع الخاص يتوزع ما بين نوعين من الأماكن، أولهما العمل داخل المنشآت أي داخل أماكن مخصصة للعمل والذي يستوعب 1.726 مليون مشتغلة، والعمل خارج المنشآت أي في الحقول والشوارع والعراء، والذي يستوعب 1.422 مليون مشتغلة.
وهكذا تختلف ظروف العمل للعمالة النسائية حسب القطاع الذي يعملن فيه، فمن حيث نسبة اشتراك المشتغلات من سن 15 سنة فأكثر في التأمينات الاجتماعية والتي يبلغ متوسطها 62 في المئة، فإن النسبة ترتفع إلى 95 في المئة بالعمل الحكومي وتنخفض إلى 30 في المئة بالقطاع الخاص داخل المنشآت، وتتدنى إلى نسبة خمسة في المئة فقط بالقطاع الخاص خارج المنشآت، وهو القطاع الذي كانت تعمل فيه فتيات المنوفية اللاتي فقدن حياتهن في الحادث الأليم.
ونفس الصورة فيما يخص الاشتراك في التأمين الصحي الذي يبلغ متوسطه 60 في المئة، لكن النسبة مرتفعة بسبب بلوغها 95 في المئة بالقطاع الحكومي، لكنها منخفضة إلى 25 في المئة بالقطاع الخاص داخل المنشآت، وتتدنى إلى 4 في المئة فقط بالقطاع الخاص خارج المنشآت، وهو ما يفضح صورة التأمين الصحي في البلاد بالنسبة للاهتمام بالعمالة النسائية غير المنتظمة.
4 في المئة عاملات بعقد قانوني
كذلك تبلغ النسبة المتوسطة لعمل النساء بعقد قانوني إلى 63 في المئة، لكن النسبة جاءت بسبب بلوغها 95 في المئة بالقطاع الحكومي، و33 في المئة بالعمل بالقطاع الخاص داخل المنشآت، وتتدنى إلى 4 في المئة بالقطاع الخاص خارج المنشآت الذي تعمل به 1.4 مليون مشتغلة.
وتتحسن الصورة نسبيا بمؤشر نسبة العاملات في عمل دائم، والتي تصل إلى 61 في المئة بسبب ارتفاع المعدل في العمل لدى الحكومة والذي تبلغ نسبته 97 في المئة، لكن المعدل ينخفض إلى 76 في المئة بالعمل في القطاع الخاص داخل المنشآت، وينخفض أكثر إلى 42 في المئة بالقطاع الخاص خارج المنشآت.
أما عدد العاطلات عن العمل العام الماضي فقد بلغ 1.021 مليون امرأة، ونسبة 55 من هؤلاء بلغت مدة تعطلهن أقل من سنة، و24 في المئة بلغت مدة تعطلهن ما بين العام والعامين، ونسبة 11 في المئة لأكثر من عامين، ونسبة 10 في المئة تزيد فترة تعطلهن عن الثلاث سنوات، وهو ما يشير إلى صعوبة توافر فرص العمل المناسبة رغم ما يدعيه المسؤولون من إقامة مشروعات جديدة بأعداد يصعب متابعتها.
ومن ملامح البطالة النسائية المصرية أنها بطالة متعلمات بشكل واضح، حيث بلغت نسبة البطالة بين الأُميات أقل من 3 في المئة، وتصل نسبة البطالة إلى 11 في المئة لمن يقرأن ويكتبن أو لديهن شهادة محو الأمية، و13 في المئة بين الحاصلين على مؤهل أقل من المتوسط، و25 في المئة للحاصلات على الثانوية العامة أو الثانوية الأزهرية، و17 في المئة لصاحبات المؤهل المتوسط الفني، ونفس النسبة لصاحبات المؤهل فوق المتوسط وأقل من الجامعي، و25 في المئة للبطالة بين حاملات المؤهل الجامعي وفوق الجامعي.
وإذا كان المتوسط العام لنسبة البطالة بين الإناث بالعام الماضي قد بلغ 17.1 في المئة، وهو المعدل الذي لا يلقى قناعة لدى كثير من المتخصصين نظرا لاعتباره من تعمل ساعة واحدة بالأسبوع مشتغلة وليست عاطلة، إلا أنه مع استعراض معدلات بطالة الإناث في المحافظات لسن 15 سنة فأكثر، نجد نسبة بطالة الإناث ترتفع إلى 41 في المئة بمحافظة أسوان جنوب البلاد، و40 في المئة بمحافظة بورسعيد، و38 بمحافظة البحر الأحمر، و29 في المئة بمحافظة السويس، و23.5 في المئة بمحافظة الإسماعيلية.
نسب بطالة الشابات ترتفع بالحضر
لكن نسب بطالة الإناث تزيد عن ذلك بين الشابات ما بين سن 15-29 سنة ليصل متوسطها العام 37 في المئة، وترتفع نسبة البطالة إلى 65 في المئة بين شابات محافظة الوادي الجديد، و62 في المئة لشابات محافظة بورسعيد، و60 في المئة لشابات أسوان، و57 في المئة لشابات البحر الأحمر، و52 في المئة لشابات محافظة جنوب سيناء و50 في المئة لشابات محافظة أسيوط.
فقد بلغ عدد المحافظات التي تخطى معدل البطالة بها بين الشابات 30 في المئة 22 محافظة، من بين 26 محافظة وردت في البيانات، والتي لم تذكر بيانات محافظة شمال سيناء القريبة من غزة لصعوبة قياس البطالة فيها بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني فيها، وينعكس ارتفاع معدلات البطالة على النواحي الأخلاقية وعلى صعوبات الزواج، حيث أصبحت مشاركة الفتيات في تجهيز لوازم الزواج أمرا شائعا.
وترتفع معدلات البطالة للشابات سواء في حضَر المحافظات عن ريفها، ففي حضر المحافظات بلغ متوسط نسبة البطالة للشابات 41.7 في المئة، وترتفع النسبة إلى 70 في المئة بحضر الوادي الجديد، و63 في المئة بحضر أسوان، و62 في المئة ببورسعيد، و61 في المئة بحضر بنى سويف.
وإذا كان متوسط نسبة البطالة للشابات في الريف قد بلغ 31 في المئة، فقد زادت النسبة إلى 100 في المئة بريف جنوب سيناء، و56 في المئة بريف أسوان، و53 في المئة بريف الأُقصر، و52 في المئة بريف الوادي الجديد، و44 في المئة بريف أسيوط، وهو ما ينعكس على مشاعر الولاء والانتماء ودرجة التأييد السياسي للنظام الحاكم ودرجة السخط الاجتماعي.
وإذا كان عدد المشتغلات قد زاد خلال السنوات الثلاث الماضية من 4.172 مليون مشتغلة عام 2022، إلى 4.585 مليون في العام التالي ثم إلى 4.939 مليون مشتغلة في العام الماضي، فقد كان عدد المشتغلات قد بلغ أكثر من ذلك عام 2016 بنحو 45 ألف مشتغلة، كما بلغ العدد عام 2017 نحو 5.131 مليون مشتغلة أي أكثر بـ192 ألف مشتغلة قبل سبع سنوات مقارنة بالعام الماضي، رغم ما لحق بعدد الإناث من ارتفاع سكاني خلال تلك السنوات الأخيرة، بلغ 7.2 مليون أنثى خلال الفترة من 2016 وحتى العام الماضي، وهو ما يعد مؤشرا واضحا إلى الصعوبات التي تواجهها العمالة النسائية، التي بلغ نصيبها العام الماضي 16,5 في المئة من مجمل فرص التشغيل مقابل نسبة 83.5 في المئة للرجال، رغم أن عدد الإناث يشكل نسبة 49 في المئة من عدد السكان في العام الماضي.