أعاد التدخل الإسرائيلي في سوريا خلط الأوراق الأمنية في المنطقة، وفرض تحديات متزايدة، خاصة بعد أن حدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطًا أحمر يقضي بإبقاء الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح.

نتنياهو، الذي يلاحقه طلب اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، أعلن بوضوح أن "إسرائيل تفرض السلام بالقوة، والهدوء بالقوة، والأمن بالقوة"، مشددًا على أن هذه السياسة ستبقى ثابتة في النهج الإسرائيلي.

 

تقسيم سوريا

وفي هذا السياق، يرى لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، أن نتنياهو يلاحقه هاجس أمني يسعى من خلاله لضمان تفوق إسرائيل وفرض بيئة آمنة تمتد لمئة عام مقبلة.

ويحذّر مكي من أن ما تمارسه إسرائيل في جنوب سوريا ومحافظة السويداء، وما تقوم به في لبنان، يمكن أن يتكرر في أي دولة عربية، معتبرًا أن ما نشهده "تفكير عدواني مفرط" لكنه قيد التنفيذ بالفعل، مضيفًا أن ما يحدث في سوريا هو مجرد نموذج مصغّر لسياسة تهدف إلى تقويض قدرة المنطقة على الحشد والمقاومة والتعبئة.

ووفق التصور الإسرائيلي، يجب إحداث تغيير ديمغرافي وطائفي في السويداء بهدف التهجير من المنطقة، مشيرا في هذا الإطار إلى حركة نزوح العشائر البدوية من المحافظة بعد انسحاب الجيش وقوى الأمن الداخلي.

وما يعزز هذا الطرح، استثمار إسرائيل طويل الأمد في الحالة الدرزية، حسب الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، وإستراتيجية نتنياهو بجعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، وكذلك الاشتباك الجيوسياسي بين تركيا وإسرائيل.

ولتحقيق ذلك، تريد "إسرائيل المتوحشة" بعد السابع من أكتوبر 2023 -وفق علوش- تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية، مما يجعلها تتنمر على الدولة السورية الجديدة التي تحاول بناء نفسها من الصفر.

 

انفصال الدروز

ويرى الأكاديمي والباحث السياسي ياسر النجار أن حرص الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري على تعطيل مؤسسات الدولة والاتفاق معها، والانتصار لقوة السلاح يوحي بأن هناك "مشروعًا بضمانات إسرائيلية يطالب بالانفصال".

ووفق هذا المشهد، يرتكز المخطط الإسرائيلي على تكريس سوريا دولة هشة ضعيفة تستطيع تل أبيب التحكم بمقدراتها معولة على أطراف داخلية تخضع لأجندات خارجية ليست وطنية.

وحسب علوش، فإن الهجري يخادع ويناور، فهو أفسد 3 اتفاقيات بين الدولة ووجهاء السويداء، كما أنه لا يعترف بالدولة الجديدة.

وفي ظل هذه الفوضى، تشكل السويداء معضلة للدولة السورية، فهي جزء من تحديات الأطراف التي يشكلها مشروع الدولة الموحدة، مثل قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) والساحل السوري.

وبناء على هذا الوضع، فإن نجاح إسرائيل في فرض واقع بين الدروز والدولة يعطي رسائل مشجعة للأطراف التي تهدد الدولة المركزية في دمشق المطالبة بضرورة ترميم النسيج الوطني.

 

ما الحل؟

ولمواجهة ذلك، قد يكون الحل في تشكيل قوة عربية تركية لدخول سوريا ودعمها أمام الأطماع الإسرائيلية، التي تريد السويداء منطقة خالية من العرب، كما يقول مكي.

وتوجب أحداث السويداء إعادة الحسابات في ظل مخطط إسرائيل لتقسيم سوريا، وفقا للنجار، فما حدث "أمر جلل دبر بليل".

وكذلك، يضع التحدي السوري دول المنطقة أمام اختبار كبير، فإما التفكير -حسب علوش- في تكاليف الاندفاع من أجل وقف سياسة إسرائيل بالإقليم أو التفكير بالتكاليف بعيدة المدى في حال الرضوخ والاستسلام لما يجري في سوريا.

وما يؤكد خطورة الوضع، إصدار السعودية وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان والكويت إضافة إلى الأردن والعراق ولبنان ومصر وتركيا بيانا مشتركا، أعربت فيه عن رفضها كل التدخلات الخارجية في شؤون سوريا.

وندد البيان المشترك بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا باعتبارها اعتداء على سيادتها وخرقا فاضحا للقانون الدولي، وأكد دعم هذه الدول لأمن سوريا ووحدتها واستقرارها وسيادتها.

وشنت إسرائيل الأربعاء غارات جوية مكثفة ضد قوات الجيش السوري التي دخلت السويداء لوقف التوترات الأمنية هناك، وانسحب الجيش بعد التوصل لاتفاق مع بعض زعماء الدروز من المحافظة، كما استهدفت مبنى رئاسة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.