يبدو أن اتفاق سلام إقليمي شامل فكرة مغرية، لكنه سيظل بعيد المنال دون وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. الصراع الذي دام 12 يومًا بين إسرائيل وإيران في يونيو جذب الانتباه بعيدًا عن الحرب الإسرائيلية المتواصلة في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 57 ألفًا خلال 21 شهرًا. ومع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في 23 يونيو، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دفع محادثات بين إسرائيل وحماس، بجانب محاولات لإحياء اتفاقات أبراهام، وطرح سوريا كطرف محتمل، والتخطيط لاستئناف المحادثات المباشرة مع طهران.
هذا الطموح لتسوية إقليمية شاملة يبدو مغريًا، خصوصًا مع تغير الظروف الإقليمية، لكنه لا يجب أن يشغل إدارة ترامب عن الأولويات العاجلة. التركيز يجب أن ينصب على وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء العنف، وتخفيف الكارثة الإنسانية، واستعادة الأسرى، وإعادة بناء غزة سياسيًا واجتماعيًا وماديًا.
معاناة غزة تتفاقم
يعاني 93% من سكان غزة من انعدام حاد في الأمن الغذائي. الوصول إلى المساعدات صار مميتًا، مع كون نقاط التوزيع الأربع التابعة لمنظمة غزة الإنسانية شديدة الخطورة. في 6 يوليو، نفذت إسرائيل أكثر من 130 ضربة جوية خلال 24 ساعة، أسفرت عن مقتل العشرات في غزة سيتي ومنطقة المواسي.
إعلان ترامب في 1 يوليو عن موافقة إسرائيل على مقترح هدنة لـ60 يومًا، ودعوته حماس للقبول، أظهر تحولًا في اهتمام واشنطن نحو غزة. استؤنفت المحادثات في الدوحة في 6 يوليو، برعاية قطر والولايات المتحدة، ويتوقع وصول المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قريبًا.
غزة أولًا .. لا مشاريع كبرى
لقاء ترامب بنتنياهو في البيت الأبيض عكس أولوية واشنطن لإنهاء الصراع، رغم غياب إعلان فوري لوقف إطلاق النار. ترامب أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل لاتفاق خلال أسبوع أو اثنين، رغم تعثر المفاوضات.
في الوقت نفسه، الضربات العسكرية الإسرائيلية والأميركية ضد منشآت نووية إيرانية أعادت تشكيل معادلة الأمن الإقليمي. الإمارات طرحت مؤخرًا فكرة إطار أمني يشمل إيران وتركيا. لكن مثل هذه الرؤى الواسعة قد تشتت الجهود وتؤخر حل أزمة غزة.
مبادرة إماراتية براجماتية
لانا نسيبة، المبعوثة الخاصة لوزير الخارجية الإماراتي، دعت إلى نهج عملي يقوم على إرسال بعثة مؤقتة دولية إلى غزة، لإغاثة المدنيين، واستعادة النظام، وتهيئة الأرضية لحوكمة مؤقتة. رأت أن هذه المبادرة لا تحل محل حق الفلسطينيين في تقرير المصير، بل تُعد جسرًا نحو سلطة فلسطينية مُصلحة وحل الدولتين.
في مقالة لها بـ"فاينانشال تايمز"، شددت نسيبة على ضرورة ربط حل أزمة غزة بمشروع إقليمي أوسع، يشمل الحوار مع إيران وإسرائيل، لمنع التصعيد مستقبلاً وضمان استقرار مستدام.
من دمشق إلى أبو ظبي: تغيير قواعد اللعبة
رفع ترامب العقوبات عن سوريا في 30 يونيو، بدفع سعودي، يشير إلى محاولة لجذب دمشق بعيدًا عن طهران. تقارير حول لقاءات سرية بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في أبو ظبي (رغم نفي الطرفين) تعكس دورًا متزايدًا لعواصم الخليج في دفع مسارات السلام، أحيانًا بوتيرة تتجاوز واشنطن.
هذا النشاط الخليجي ينبع من قناعة بأن الأمن الإقليمي يحتاج لإعادة تخيل الخصومات القديمة، عبر الاندماج الاقتصادي وإعادة تموضع استراتيجي – حتى لو تطلب الأمر التواصل مع خصوم الأمس.
السلام لا يُبنى على أنقاض غزة
رغم أهمية التصورات الطويلة الأمد، لا يجوز تأجيل التعامل مع الكارثة الحالية. لا سلام إقليمي يمكن أن يصمد إن لم تُحلّ أزمة غزة، وتُوقف اعتداءات المستوطنين، ويُكبح ضم الضفة، وتُفتح طريق جادة لإقامة دولة فلسطينية. تجارب سابقة – مثل فشل واشنطن في استثمار نصرها بعد تحرير الكويت عام 1991 في إنجاح عملية مدريد – تؤكد أن الظروف الأكثر مثالية لم تُثمر اتفاقًا شاملًا.
قد يشعر ترامب بالثقة الآن، لكنه يفتقر ربما للقدرة أو الإرادة السياسية لفرض تسوية شاملة. ما يجب فعله الآن هو التركيز على غزة: وقف دائم لإطلاق النار، معالجة الكارثة الإنسانية، دعم مبادرات مثل مقترح نسيبة، وضمان وجود الفلسطينيين في صلب ترتيبات ما بعد الحرب. لا يمكن بناء سلام إقليمي على جراح غزة المفتوحة.
https://www.chathamhouse.org/2025/07/us-and-gulf-should-not-get-distracted-grand-visions-peace-gaza-must-come-first