شهدت مصر في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة ضبط كميات كبيرة من الدواجن مجهولة المصدر، خاصة في محافظة المنوفية، حيث أعلنت السلطات ضبط دواجن تم حقنها بمياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي في مركز بركة السبع، مع التأكيد على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وتكثيف الحملات الرقابية على الأسواق.

هذه الظاهرة أثارت قلق المواطنين، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول أسباب انتشارها، والمسؤولين عنها، ودور الحكومة في مكافحتها، وسط انتقادات حادة لأداء النظام الحاكم بقيادة عبد الفتاح السيسي.

تفاصيل الواقعة.. مياه ملوثة في دواجن المصريين

وفق بيان رسمي صادر عن مديرية الطب البيطري بالمنوفية بتاريخ 8 يوليو 2025، تم خلال حملة تفتيشية مشتركة بين مفتشي الصحة والتموين ضبط أكثر من 1.2 طن من الدواجن المحقونة بمياه ملوثة ومجهولة المصدر في عدد من محال بيع اللحوم ومراكز تجهيز الدواجن في بركة السبع.

وقد أكدت الجهات الرسمية أن تلك المنتجات كانت معدة للبيع المباشر للمواطنين، دون أي رقابة صحية أو شهادة منشأ، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والصحة العامة.

وقالت المحافظة إنها قامت بإعدام الكميات المصادرة، وتم تحرير محاضر رسمية ضد المتورطين، مع إحالة القضية إلى النيابة العامة، لكن دون الإعلان عن الجهات أو الشخصيات الرئيسية المسؤولة عن توريد تلك الدواجن أو تغطيتها قانونيًا، مما يثير الشكوك حول تورط شبكات فساد محمية من داخل النظام الحاكم.

انتشار الظاهرة في السنوات الأخيرة

لم تكن واقعة بركة السبع هي الأولى من نوعها، فمنذ عام 2020، تكررت حوادث ضبط لحوم ودواجن فاسدة في مختلف المحافظات المصرية، من الإسكندرية إلى الجيزة والقليوبية وسوهاج.

في يناير 2024، ضبطت أجهزة التموين أكثر من 3 أطنان من اللحوم والدواجن غير الصالحة في أسواق شبرا الخيمة.

وفي ديسمبر 2023، أعلن جهاز حماية المستهلك عن ضبط لحوم مستوردة منتهية الصلاحية تُباع في سلاسل تجارية كبرى.

ويرى مراقبون أن هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى غياب الرقابة الفعلية على الأسواق، وتفكيك الأجهزة الرقابية في عهد السيسي، وتحويلها إلى أدوات شكلية تخدم أغراض السلطة بدلاً من حماية المواطنين.

وفي هذا السياق، صرّح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق قائلاً: "تراجع الدولة عن دورها في الرقابة والتفتيش الغذائي سببه انهيار الهيكل الإداري، والاعتماد المفرط على مؤسسات عسكرية لا خبرة لها في الشأن المدني، مما جعل الأسواق فريسة سهلة للفساد".

 

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الظاهرة

1. أزمة الأعلاف وارتفاع التكلفة

أحد الأسباب الجوهرية وراء انتشار الدواجن مجهولة المصدر هو أزمة الأعلاف التي تفاقمت منذ 2022، نتيجة قرارات حكومية بتقليص الاستيراد لتوفير الدولار، ما أدى إلى نقص حاد في الذرة وفول الصويا، وهما مكونان رئيسيان في صناعة الأعلاف.

ووفق تصريحات نقيب الفلاحين المصريين حسين أبوصدام، فإن نقص الأعلاف أدى إلى إعدام ملايين الكتاكيت، وارتفاع أسعار الدواجن والبيض لمستويات قياسية.

كما أكد اقتصاديون أن هذه السياسات أضرت بصغار المربين، ودعمت احتكار كبار التجار للسوق، ما دفع البعض للجوء إلى طرق غير قانونية لتقليل الخسائر.

2. ضعف الرقابة الحكومية وتضارب التصريحات

شهدت الفترة الأخيرة تضاربًا في تصريحات المسؤولين حول حجم نفوق الدواجن وانتشار الأمراض الوبائية. ففي مايو 2025، أشار نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن إلى نفوق نحو 30% من الثروة الداجنة بسبب أمراض وبائية، وهو ما نفاه لاحقًا رئيس الاتحاد ووزارة الزراعة، مؤكدين استقرار الصناعة وتوفر التحصينات.

هذا التضارب تسبب في حالة من البلبلة في الأسواق، وأدى إلى فقدان الثقة في الرقابة الحكومية، ما أتاح الفرصة لتجار السوق السوداء لترويج منتجات مجهولة المصدر.

3. استغلال الأزمات الاقتصادية

تزامن انتشار الدواجن مجهولة المصدر مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما دفع بعض التجار إلى استغلال حاجة المواطنين لشراء منتجات رخيصة الثمن، بغض النظر عن جودتها أو سلامتها.

كما ساهمت الأزمات المتكررة في تراجع قدرة الحكومة على فرض الرقابة الفعالة، خاصة مع محدودية الموارد وضعف التنسيق بين الجهات المعنية.

من المسؤول ومن يقف وراء الظاهرة؟

تشير التقارير إلى أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومة وأجهزتها الرقابية، التي فشلت في ضبط الأسواق بشكل فعال، وسمحت بانتشار المنتجات مجهولة المصدر.

كما أن غياب الشفافية وتضارب التصريحات الرسمية أسهما في تفاقم الأزمة. من جهة أخرى، يتهم بعض الاقتصاديين النظام الحاكم بتبني سياسات اقتصادية أدت إلى تدمير الطبقة الوسطى، ودفعت صغار المنتجين والتجار إلى اللجوء لطرق غير مشروعة للبقاء في السوق.

أما عن الجهات التي تقف وراء هذه الكميات، فغالبًا ما يكونون سماسرة وتجار جملة يستغلون ضعف الرقابة، ويقومون بشراء دواجن من مصادر غير معلومة أو مزارع غير مرخصة، ثم يضخونها في الأسواق الشعبية بعد التلاعب في أوزانها بحقنها بالمياه أو المواد غير الصالحة للاستهلاك، لتحقيق أرباح سريعة على حساب صحة المواطنين.

حذرت النائبة أمل سلامة عضو مجلس النواب من التأثيرات السلبية للتصريحات المتضاربة حول نفوق الدواجن، ودعت الحكومة لتوضيح الحقائق وضبط التصريحات، حفاظًا على استقرار السوق ودعمًا لصناعة الدواجن كأحد أعمدة الأمن القومي.

وأكد نقيب الفلاحين المصريين حسين أبوصدام أن أزمة الأعلاف هي السبب الرئيسي في انهيار صناعة الدواجن، وأن استمرار السياسات الحكومية الحالية سيؤدي إلى مزيد من الأزمات وزيادة الاعتماد على الاستيراد.

ونفى وزير الزراعة بحكومة الانقلاب علاء فاروق وجود أي أوبئة أو نفوق جماعي في القطاع، مؤكدًا أن نسب النفوق الموسمية طبيعية، وأن الإنتاج يغطي 98% من الاحتياجات المحلية.

الإجراءات الحكومية وردود الفعل

رغم إعلان السلطات عن تكثيف الحملات الرقابية واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، إلا أن استمرار ضبط كميات كبيرة من الدواجن مجهولة المصدر في مختلف المحافظات يشير إلى قصور واضح في منظومة الرقابة، وضعف آليات التنفيذ.

وتواجه حكومة الانقلاب انتقادات واسعة من المواطنين ونواب البرلمان، الذين يرون أن الحلول المقدمة حتى الآن غير كافية، وأن استمرار الأزمة يهدد الأمن الغذائي والصحة العامة.