في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتحسين صورة الاقتصاد المصري وسط أزمة مالية متفاقمة، أعلنت شركة "مصر للألومنيوم" - إحدى شركات قطاع الأعمال العام التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية - عن توقيع اتفاقية لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميجاوات، بهدف تقليل فاتورة الكهرباء المستخدمة في عمليات إنتاج الألومنيوم. ورغم ما قد يبدو من أمل في تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
فهل هذه المشاريع تسعى بالفعل لتحقيق تنمية حقيقية، أم أنها مجرد ستار لتغطية الفشل المتكرر في إدارة الموارد؟
تفاصيل الاتفاقية..
جاء توقيع الاتفاقية في 5 يوليو 2025 داخل مقر الشركة بأسوان، بين شركة "مصر للألومنيوم" وشركة "إنفينيتي باور" (Infinity Power)، وهي شركة مصرية-إماراتية تعمل في مجال الطاقة النظيفة، وقد حضر حفل التوقيع عدد من قيادات قطاع الأعمال العام ومسؤولين من وزارة الكهرباء والطاقة، وسط تغطية إعلامية محدودة، ما أثار التساؤلات حول مدى الشفافية في مثل هذه الاتفاقات الكبرى.
وبحسب البيان الرسمي، فإن المحطة الشمسية سيتم إنشاؤها على مساحة 3 كيلومترات مربعة بالقرب من مجمع الشركة في نجع حمادي بمحافظة قنا، وتُقدّر مدة تنفيذ المشروع بـ18 شهراً، على أن يتم تشغيله في نهاية عام 2026.
أرقام وحقائق حول المشروع
- القدرة الإنتاجية للمحطة: 1000 ميجاوات (على مرحلتين)
- الاستثمارات الإجمالية: 650 مليون دولار أمريكي
- مدة التنفيذ: 24 شهرًا
- سعة بطاريات التخزين: 200 ميجاوات
- الجهة المنفذة: شركة "سكاتك" النرويجية
- مكان التنفيذ: مجمع مصر للألومنيوم، نجع حمادي، محافظة قنا
تنتج شركة مصر للألومنيوم سنويًا بين 300,000 و320,000 طن من المعدن المنصهر، وتعد من أكبر منتجي الألومنيوم في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تصدر أكثر من 50% من إنتاجها إلى الأسواق الخارجية، خاصة الاتحاد الأوروبي
أهداف المشروع ومبرراته
صرّح المهندس محمد السعدي، رئيس مجلس إدارة شركة "مصر للألومنيوم"، بأن المشروع يستهدف "خفض تكاليف الطاقة التي تمثل نحو 40% من إجمالي تكاليف الإنتاج"، مضيفًا أن "استخدام الطاقة الشمسية سيوفر نحو 25% من استهلاك الكهرباء الحالية، ما يعني تقليل العبء المالي وتثبيت الأسعار في سوق يعاني من تقلبات الطاقة".
وبحسب الدراسة التي أعدتها الشركة، فإن العائد المتوقع من تشغيل المحطة قد يصل إلى 150 مليون جنيه سنويًا من خفض استهلاك الطاقة فقط، بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 300 ألف طن سنويًا، مما يعزز فرص التصدير للأسواق الأوروبية التي تضع معايير بيئية صارمة.
هل هذا ما تحتاجه مصر الآن؟
الاقتصادي المعارض الدكتور إبراهيم نجم أبدى تحفظه على جدوى المشروع، مشيرًا إلى أن "الاستثمار في الطاقة النظيفة مطلوب، ولكن التوقيت والسياق يطرحان علامات استفهام، خصوصًا أن شركة مصر للألومنيوم نفسها تعاني من تراجع في الإنتاج بنحو 20% خلال العامين الماضيين، بسبب سوء الإدارة والاعتماد على قرارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية".
وأضاف نجم أن "الاتفاق مع شركة شبه إماراتية في وقت يتزايد فيه النفوذ الخليجي في القطاعات الحيوية بمصر يعكس ضعف السيادة الاقتصادية للدولة"، محذرًا من أن "مشاريع كهذه قد تتحول إلى قنوات لنقل الأرباح خارج البلاد، دون تحقيق فائدة استراتيجية لمصر".
الإدارة العسكرية وأثرها
منذ أن تولى عبد الفتاح السيسي الحكم عقب انقلاب 2013، دخلت القوات المسلحة في كل تفاصيل الحياة الاقتصادية، وامتدت سيطرتها إلى قطاعات مدنية كالصحة والتعليم والزراعة، وصولًا إلى صناعة الألومنيوم والطاقة، وكانت "مصر للألومنيوم" من بين الشركات التي أُلحقت إداريًا بمشروعات تشرف عليها جهات سيادية، مما قلل من كفاءة الإدارة وأدى إلى هروب الكفاءات الفنية.
في عام 2022، سجلت الشركة خسائر تقترب من 1.2 مليار جنيه، قبل أن تعود إلى الأرباح المحدودة في 2024، وفق تقارير رسمية، ومع ذلك، فإن الأرباح المحققة لا تعكس انتعاشًا حقيقيًا، بل غالبًا ما تكون نتيجة تخفيضات محاسبية في بند المصروفات وليس زيادة في الإنتاج أو التصدير.
الطاقة الشمسية: أداة تنموية أم غطاء سياسي؟
يرى الخبير في الطاقة المتجددة الدكتور خالد الدسوقي أن "مشروع محطة الطاقة الشمسية خطوة في الاتجاه الصحيح تقنيًا، لكنه يظل منقوص الجدوى طالما لا يُدار بمنهجية مستقلة عن القرار السياسي".
وأضاف في تصريح صحفي أن "الدولة لم تُنَظِم حتى الآن سوق الطاقة الشمسية بشكل حقيقي، وهناك تعقيدات في التمويل والاستيراد، فضلًا عن احتكار شركات بعينها العقود الكبرى بدعم عسكري".
وأوضح الدسوقي أن المحطة الجديدة "لن تحل أزمة الطاقة في مصر، لكنها قد تكون نموذجًا يمكن تعميمه، شريطة رفع يد العسكر عن إدارة الشركات الصناعية".
خلاصة التقرير
بينما يبدو مشروع محطة الطاقة الشمسية الخاص بشركة "مصر للألومنيوم" مبادرة واعدة من حيث التقنية والعائد البيئي والاقتصادي، إلا أنه لا يمكن فصله عن السياق العام لحكم عسكري يفتقر إلى الشفافية والكفاءة في إدارة الملفات الاقتصادية.
في وقت تُباع فيه أصول الدولة، وتزداد الديون، ويُقصى المجتمع المدني من أي دور رقابي، تتحول مثل هذه المشاريع إلى مجرد واجهات لشرعنة سلطة لا تعبأ بمستقبل حقيقي لمصر.