في خطوة جديدة تعكس توغل المؤسسات العسكرية في النشاط الاقتصادي بمصر، وقّع بنك مصر بروتوكول تعاون مشترك مع هيئة قناة السويس يوم الثلاثاء 9 يوليو 2025، بهدف إطلاق مشروعات تطوير عقاري وسياحي وصناعي في مناطق تابعة للهيئة.
جرى توقيع الاتفاق في مقر هيئة قناة السويس بمدينة الإسماعيلية بحضور رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع ورئيس مجلس إدارة بنك مصر محمد الإتربي.
تفاصيل البروتوكول.. مشروعات كبرى وغموض في التمويل
تم توقيع البروتوكول بحضور الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، وهشام عكاشة، الرئيس التنفيذي لبنك مصر، في مقر الهيئة بمبنى الإرشاد بالإسماعيلية. ووقع البروتوكول رسميًا الدكتور منتصر خليل عبد الفتاح، مدير الإدارة المالية ممثلاً عن الهيئة، وأحمد صبحي، رئيس قطاع الأسواق المالية والاستثمار في بنك مصر.
ينص البروتوكول على أن يتولى بنك مصر مسؤولية تسويق وترويج مشروعات التطوير العقاري التابعة لهيئة قناة السويس، والتي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، بهدف إقامة مشروعات سكنية متكاملة وفق أحدث المواصفات الفنية، مع تجهيز الوحدات بالبنية الأساسية والمرافق الخدمية اللازمة.
كما يهدف البروتوكول إلى تعظيم القيمة السوقية والتسويقية لأصول الهيئة، بما يتماشى مع أهداف استراتيجية الهيئة 2030 التي تركز على تعظيم الاستفادة من الأصول العقارية.
من أبرز البنود أيضًا تقديم بنك مصر تسهيلات تمويلية وفق نظم التمويل العقاري المتاحة، لمساعدة العاملين بالهيئة والمشترين المحتملين الذين تنطبق عليهم شروط التمويل، مما يسهل عليهم الحصول على وحدات سكنية بأسعار مناسبة وأنظمة سداد مرنة
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الطرفين، يستهدف البروتوكول تطوير أراضٍ مملوكة لهيئة قناة السويس في نطاق محافظات الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، على أن تشمل هذه المشروعات منتجعات سياحية، تجمعات سكنية، ومجمعات صناعية.
وذكر البيان أن المرحلة الأولى من الاتفاق ستبدأ بمشروع "قناة السويس الجديدة سيتي"، وهو مشروع تطوير عقاري على مساحة 5 ملايين متر مربع، بتمويل مشترك بين بنك مصر و"شركة القناة للتنمية العقارية"، وهي إحدى أذرع الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.
ورغم الإعلان عن بدء التنفيذ خلال الربع الأخير من عام 2025، فإن البيان لم يحدد بدقة حجم الاستثمارات المتوقعة، أو نسب التمويل بين الطرفين، ما أثار تساؤلات عديدة بين المحللين حول آليات الشفافية والرقابة.
اقتصاد شبه عسكري
تأتي هذه الخطوة في سياق توسع المؤسسة العسكرية المصرية في النشاط الاقتصادي على مدى العقد الماضي، خاصة منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014.
وقد صرح الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى عبد السلام بأن "الاقتصاد المصري أصبح يعاني من اختلالات هيكلية نتيجة هيمنة الجيش على مفاصل الإنتاج والخدمات، من المقاولات إلى الإسكان، ومن البنية التحتية إلى الأغذية".
وأضاف عبد السلام، في تصريح لموقع "عربي21"، أن "هذا الاتفاق بين بنك مصر وهيئة قناة السويس يمثل استمرارًا لتلك السياسة التي تقوض دور القطاع الخاص وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص"، مشيرًا إلى أن المشاريع العقارية، بدلاً من أن تكون أداة تنمية حقيقية، تحولت إلى وسيلة لتعظيم أرباح الجهات السيادية بعيدًا عن أي رقابة برلمانية أو مجتمعية.
عائدات متوقعة أم فقاعة عقارية؟
من جانبه، صرّح رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع بأن "المشروعات ستُسهم في زيادة موارد الهيئة غير التقليدية، وستوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة"، دون أن يقدّم أرقامًا محددة.
وأضاف أن الهيئة "تسعى لأن تكون شريكًا فاعلًا في دفع عجلة التنمية".
لكن مراقبين شككوا في جدوى مثل هذه المشاريع، لا سيما في ظل أزمة ركود عقاري حاد يعاني منها السوق المصري، إذ أشار تقرير صادر عن "اتحاد مطوري العقارات" في يونيو 2025 إلى انخفاض المبيعات العقارية بنسبة 38% مقارنة بالعام الماضي، وارتفاع نسب تعثر الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب هيمنة الكيانات الحكومية والعسكرية على الأراضي والأسواق.
بنك مصر في مرمى النقد
بنك مصر، أحد أكبر البنوك الحكومية، يواجه هو الآخر تساؤلات حول أولوياته التمويلية، ففي حين يُفترض أن يركز البنك على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوليد وظائف حقيقية، يختار الدخول في شراكات مع مؤسسات سيادية في مشروعات عقارية ضخمة.
وقد حذر المحلل المالي هاني توفيق من أن "تحول البنوك الحكومية إلى ذراع تمويلية للمؤسسات العسكرية يهدد الاستقرار المالي على المدى الطويل"، مضيفًا أن "الأصول العقارية لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر ثابت للإيرادات، خاصة في ظل هشاشة الطلب الحقيقي وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم".
غياب الرقابة البرلمانية..
في ظل غياب حقيقي للرقابة البرلمانية المستقلة، تُمرر مثل هذه الاتفاقات دون مناقشة علنية أو شفافية مالية، ويُنظر إلى مجلس النواب الحالي، الذي يهيمن عليه موالون للنظام العسكري، كأداة لإضفاء الشرعية الشكلية على قرارات اقتصادية كبرى تُتخذ خلف الأبواب المغلقة.
ويصف الناشط السياسي السابق عمرو واكد ما يجري بأنه "نموذج مكرر من اقتصاد المخابرات والجيش، حيث لا رقابة ولا محاسبة ولا شفافية، بل توجيه موارد الدولة لمشاريع تحقق الربح للمؤسسة العسكرية فقط".
تنمية أم تعزيز للسيطرة؟
في ظل غياب معلومات مفصلة عن الجوانب المالية والرقابية، يبدو أن البروتوكول بين بنك مصر وهيئة قناة السويس ليس مجرد شراكة تنموية، بل يمثل مرحلة جديدة من تعميق هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد المصري، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات مالية ومعيشية خانقة، وتراجع حاد في الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع الديون الخارجية إلى أكثر من 180 مليار دولار بحلول منتصف 2025.
ويبقى السؤال: هل تُسهم هذه الاتفاقيات في تنمية حقيقية، أم أنها مجرد واجهة جديدة لاقتصاد غير تنافسي تُهيمن عليه جهات لا تخضع للمساءلة؟