تواجه مصر أزمة مياه متصاعدة، نتيجة لمناخها الجاف، ومواردها المائية المحدودة، وتزايد عدد سكانها الذي بلغ 114 مليون نسمة. تعتمد البلاد بشكل أساسي على نهر النيل كمصدر للمياه العذبة، لكن تزايد الطلب المحلي وتصاعد الاستهلاك في دول المنبع، مثل إثيوبيا عبر سد النهضة، جعلا نهر النيل غير كافٍ لتلبية احتياجات المصريين.

المهندس الكيميائي ثوكوزاني ماجوزي، عضو في فريق بحثي طوّر نموذجًا لمحطة تحلية تعمل بطاقة الرياح، تعتمد على التناضح العكسي وتستفيد من ضغط المياه المالحة المتبقية لتوليد طاقة إضافية. أثبت النموذج جدواه في مناطق ساحلية شديدة الرياح مثل المنتجعات على البحر الأحمر، ما يجعل هذه التقنية مناسبة في مواجهة تغير المناخ. حاليًا، تضغط هيئات المياه على مجموعة العشرين (بقيادة جنوب إفريقيا هذا العام) لتوفير التمويل اللازم لتطبيق هذه النماذج.

 

كيف تُساعد تحلية المياه؟

انخفض نصيب الفرد من المياه العذبة في مصر لعقود، ليصل إلى ما دون عتبة الفقر المائي البالغة 1000 متر مكعب سنويًا، وهو ما يعادل نصف الاحتياج المائي للفرد للعيش بصحة. يزيد تغيّر المناخ من سوء الوضع عبر تقلبات في الأمطار وتكرار فترات الجفاف، ما يهدد مصادر المياه التقليدية.

تحلية المياه تُمثّل حلًا واعدًا، إذ تُتيح إزالة الأملاح والشوائب من مياه البحر لتوفير مياه صالحة للشرب والزراعة والصناعة. على سبيل المثال، تُزود محطة الجبيل 3A في السعودية نحو 1.6 مليون شخص يوميًا بمياه شرب.

أكثر تقنيات التحلية كفاءة هي التناضح العكسي، التي تعتمد على تمرير المياه عبر غشاء شبه نافذ باستخدام ضغط عالٍ، ما يزيل الأملاح والملوثات والميكروبلاستيك. تُعد هذه التقنية مثالية للمناطق الساحلية في مصر، التي تبعد عن نهر النيل وتحتاج إلى مصادر مستقلة للمياه.

 

كم تستهلك التحلية من الطاقة؟

تتطلب محطات التحلية ضغطًا عاليًا، ما يؤدي إلى استهلاك 3 إلى 8 كيلوواط/ساعة من الكهرباء لإنتاج متر مكعب واحد من المياه العذبة. أي أن إنتاج 600,000 متر مكعب يحتاج إلى طاقة تعادل تشغيل 600,000 ثلاجة منزلية ليوم كامل. بالمقابل، تستهلك محطات تنقية المياه العادية 0.2 إلى 1 كيلوواط/ساعة فقط.

يُمثل هذا الطلب الكبير على الطاقة تحديًا ماليًا وبيئيًا، خصوصًا إذا كانت الكهرباء المستخدَمة ناتجة عن الفحم أو الوقود الأحفوري. لذلك، يُعد استخدام الطاقة المتجددة أمرًا أساسيًا لاستدامة تحلية المياه في مصر.

 

ما دور طاقة الرياح؟

طوّر الباحثون نموذجًا لمحطة تحلية تعمل مباشرة بطاقة الرياح، حيث تُحرّك الرياح المضغوطات اللازمة دون تحويلها إلى كهرباء. عند ارتفاع سرعة الرياح، يُخزَّن الهواء المضغوط في خزانات خاصة لاستعماله لاحقًا. ألغى هذا النموذج الحاجة إلى مولدات كهرباء وبطاريات معقدة.

يُستخدم ضغط المياه المالحة المتبقية لتوليد ضغط إضافي، عبر خفض الضغط العالي تدريجيًا قبل التخلص من المياه المالحة، ما يُقلل من استهلاك الطاقة بشكل عام.

اختُبر النموذج باستخدام بيانات سرعة الرياح من 20 مدينة ساحلية مصرية، وكانت الغردقة أفضل موقع بسبب وفرة الرياح، ما يعني انخفاض التكلفة وزيادة الإنتاج السنوي. يعتمد حجم المياه المنتجة على تمويل بناء محطة أكبر.

هذه الفكرة لا تزال في مرحلة البحث، وتندرج ضمن "أنظمة تخزين الطاقة طويلة المدة" (التي تخزن الطاقة المتجددة لأكثر من 10 ساعات). تحتاج الآن إلى تطبيق عملي على الأرض.

 

ما الخطوة التالية؟

ينبغي البدء بمشروعات تجريبية في مناطق مثل الغردقة والجونة، لاختبار أداء النظام في بيئة حقيقية، ومعرفة متطلبات التشغيل طويل الأجل. من المهم أيضًا اختبار جميع المكونات لضمان فعاليتها واستدامتها.

تلعب جهات مثل صندوق دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر دورًا محوريًا في تمويل هذه الابتكارات، إلى جانب شراكات بين الجامعات وشركات الهندسة والسلطات المحلية.

كما يجب إطلاق حملات توعية لجذب دعم المجتمع، ومعرفة ملاحظات السكان، بالإضافة إلى جذب المستثمرين من خلال إبراز الفوائد البيئية والاقتصادية.

يمكن لمصر، من خلال الاستفادة من سواحلها ورياحها الوفيرة، أن تصبح رائدة في إنشاء بنية تحتية مائية لا مركزية ومنخفضة الكربون، تُلهم دولًا أخرى تعاني من شح المياه في المنطقة وخارجها.

https://theconversation.com/egypt-needs-more-drinkable-water-how-windy-coastal-resorts-could-help-258478