بعد أشهر قليلة من تفجّر فضيحة منصة "FBC" للتداول والاستثمار الوهمي، والتي هزت الرأي العام المصري، تظهر على الساحة منصة إلكترونية جديدة تدعى "VSA" لتعيد الكرّة، ولكن هذه المرة تحت ستار "الربح مقابل مشاهدة الإعلانات"، وتنجح في الاستيلاء على ملايين الجنيهات من مئات المصريين، قبل أن تختفي دون سابق إنذار، تاركة خلفها عشرات الضحايا، ووعودًا كاذبة، وبلاغات لا تنتهي في أقسام الشرطة.
نموذج احتيالي متكرر.. بواجهة جديدة
تدعي منصة "VSA"، التي انتشرت عبر تطبيق هاتفي سهل الاستخدام، أنها تتيح للمشتركين تحقيق أرباح مادية مقابل أداء مهام بسيطة كـ"مشاهدة الإعلانات"، حيث تنقسم المهام إلى عدة مستويات، تبدأ من المستوى V1 والذي يمنح المستخدمين 40 جنيهًا يوميًا مقابل مشاهدة 5 إعلانات فقط، وصولًا إلى المستوى V6 الذي يَعِدُ المستخدم بتحقيق 8000 جنيه في اليوم الواحد.
وما يلفت الانتباه أن المنصة اعتمدت على نظام إحالة هرمي، يُكافأ فيه من يجلب مشتركين جدد بمبالغ مالية كبيرة، مما حفز الضحايا على الترويج للمنصة بأنفسهم، ليتحولوا من ضحايا إلى أدوات جذب لضحايا جدد، دون علمهم.
قصص ضحايا.. وندم متأخر
عمر السيد، أحد سكان محافظة أسيوط، بدأ رحلته مع المنصة عبر توصية من زميل له، دفع في البداية 3000 جنيه كاشتراك مبدئي، وبدأ يجني أرباحًا رمزية، وبمرور الوقت، زادت المهام وارتفعت الأرباح، ووصل عدد الإعلانات اليومية إلى 100 إعلان، شعرت أن الأمر حقيقي، فبدأت أضخ أموالًا أكثر طمعًا في أرباح أكبر، حتى وصلت استثماراتي إلى 102 ألف جنيه، ثم فجأة، اختفت المنصة ولم يرد أحد من المسؤولين على أي تواصل".
أما محمد عادل، فأوضح أن نظام المنصة يعتمد على التدرج المالي: كلما دفعت أكثر، ارتفعت أرباحك.
"اشتركت في مستوى قيمته 85 ألف جنيه، وبدأت أربح مبالغ كبيرة، لكن لم يطل الأمر، فالمسؤولون اختفوا، وأُغلق التطبيق، ووجدت نفسي ضمن قائمة طويلة من الضحايا الذين لا يعرفون أين يذهبون لاسترداد أموالهم".
إيمان السيد، من ضحايا المنصة أيضًا، سردت قصة أكثر حساسية: "قبل أن أشترك، سألت أحد الأئمة عن شرعية الربح من مشاهدة الإعلانات، وأكد لي جوازه، دفعت 3000 جنيه واشتركت في المستوى الأول، وربحت يوميًا، لكن قبل أن أطور اشتراكي، فوجئت باختفاء القائمين على المنصة."
بلاغات بالجملة.. وتحقيقات غائبة
العشرات من المواطنين تقدموا ببلاغات رسمية في أقسام الشرطة، متهمين القائمين على المنصة بالنصب والاحتيال، والاستيلاء على أموالهم تحت وهم الاستثمار والربح السريع.
وبحسب الضحايا، فإن التحويلات كانت تتم غالبًا عبر محافظ إلكترونية أو عبر وسطاء محليين، مما يعقّد عمليات التتبع المالي ويصعب مهمة استرداد الأموال، كما أن العديد من الحسابات المستخدمة كانت بأسماء وهمية أو غير موثقة.
احتيال رقمي يتجدد.. والضحية المواطن البسيط
القضية تفتح مجددًا ملف الاحتيال الإلكتروني عبر التطبيقات الذكية، الذي بات يمثل خطرًا حقيقيًا على الطبقات المتوسطة والبسيطة، حيث يغريهم بمكاسب سريعة مقابل مهام سطحية، في ظل غياب التوعية الرقمية والرقابة المالية الكافية.
الخبير الاقتصادي د. أحمد فوزي يعلق على الظاهرة قائلًا: "هذه المنصات توظف أساليب تسويقية احترافية تغري المواطن العادي بالثراء السريع، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، الحل يكمن في دور رقابي أكثر فاعلية من الجهات المالية، وتوعية الجمهور عبر الإعلام والتعليم."
منصة "VSA" ليست الأولى.. ولن تكون الأخيرة
خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت العديد من المنصات المماثلة في مصر، مثل "FBC"، "Hogg Pool"، و"Ai Marketing"، وكلها وعدت بأرباح خيالية، وانتهت باختفاء مفاجئ للمسؤولين، وتبخر أموال المستخدمين.
ورغم تعدد التحذيرات من هذه المنصات، إلا أن غياب محاسبة رادعة وسريعة يشجع على تكرار السيناريو ذاته مع تغيّر الاسم فقط.