قررت حكومة عبدالفتاح السيسي، نقل أراضٍ زراعية تابعة لوزارتين سياديتين إلى "جهاز مستقبل مصر" التابع للقوات الجوية، دون إعلان تفاصيل واضحة عن الأغراض التنموية، بالتزامن مع توسيع صلاحيات صندوق مصر السيادي للاستحواذ على مقرات حكومية خالية بغرض استغلالها واستثمارها.
نقل 84 فدانًا من الزراعة والري للجهاز العسكري
وافق مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأسبوعي على نقل ملكية 69.55 فدانًا من الأراضي الزراعية التابعة لمعهد البحوث الزراعية بمحافظة الجيزة، بالإضافة إلى 14.39 فدانًا من ولاية وزارة الموارد المائية والري، إلى جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، الذراع التنموي للقوات الجوية.
ويُفترض أن تُستخدم تلك الأراضي في مشروعات تنموية يخطط لها الجهاز، إلا أن القرار الحكومي لم يوضح ماهية هذه المشروعات أو نطاقها، وسط ترقب لنشر القرار في الجريدة الرسمية لتحديد المواقع الدقيقة للأراضي المنقولة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق توسع الجهاز العسكري في إدارة موارد الدولة، وبخاصة المنظومة الغذائية، في ظل دعم رئاسي معلن لهذا التوجه.
جهاز مستقبل مصر.. من الزراعة إلى الاقتصاد الكلي
أنشئ "جهاز مستقبل مصر" بقرار جمهوري عام 2022، ويُعد امتدادًا لمشروع زراعي سابق أطلقته القوات الجوية لاستصلاح الأراضي، لكنه سرعان ما تحوّل إلى كيان اقتصادي واسع النفوذ.
ورغم أن الجهاز بدأ عمله في مجال الزراعة، فقد شهد خلال العامين الأخيرين توسعًا لافتًا في صلاحياته، حيث بات يشمل اختصاصه الآن:
- استيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح والزيوت النباتية، وهو الدور الذي كان منوطًا بهيئة السلع التموينية.
- إدارة بورصة السلع، التي تُعد أداة محورية في تسعير وتوزيع الغذاء.
- استلام القمح المحلي من الفلاحين بدلًا من الهيئات المدنية المعتادة.
- إدارة البحيرات المصرية ذات الطبيعة الاستراتيجية.
وفي نوفمبر 2024، خاض الجهاز أول تجربة له في سوق شراء السلع، من خلال طرح اتفاقيات لشراء القمح والزيت، لكنها واجهت انتقادات لغياب الشفافية وعدم وضوح آليات التنفيذ، ما أربك السوق وأدى إلى تأجيل عدد من الصفقات.
مقرات حكومية في قبضة الصندوق السيادي
في جانب آخر من الاجتماع ذاته، وافقت الحكومة على تكليف صندوق مصر السيادي باتخاذ الإجراءات اللازمة لإدارة المقرات الحكومية التي انتقلت ملكيتها إليه، ودراسة نقل ملكية 15 مبنى شاغرًا لم يتم استغلالها حتى الآن، تمهيدًا لطرحها في مشروعات استثمارية مستقبلية.
وتأتي هذه الخطوة استكمالًا لقرارات رئاسية سابقة نقلت مباني 13 وزارة في وسط القاهرة إلى الصندوق، عقب انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تم نزع صفة النفع العام عن هذه الأصول، ما يتيح بيعها أو استثمارها دون عوائق قانونية.
وفي سياق مشابه، تقرر استمرار عمل اللجنة الحكومية المختصة بتسكين الجهات الرسمية التي لم تُنقل بعد إلى العاصمة الإدارية، مع تقييم مدى جدوى إعادة استخدام المباني الحكومية القديمة لتلك الجهات.
جدل مستمر حول مصير الأصول العامة
يثير هذا الحراك الحكومي المتسارع في نقل الأصول العامة إلى كيانات سيادية أو عسكرية جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، إذ يرى بعض المراقبين أنه يعكس تحولًا نحو مركزية السيطرة على الموارد الحيوية، لا سيما في مجالات الغذاء والعقارات والاستثمار.
ويرى منتقدو هذه السياسات أن نقص الشفافية وغياب الدور الرقابي للبرلمان والمجتمع المدني يهدد بتحويل تلك الأصول إلى أدوات مالية مغلقة، يصعب محاسبة القائمين عليها أو تقييم نتائجها بشكل موضوعي.