الفاكهة للعرض فقط بأسواق مصر الملتهبة بحرارة التضخم
الخميس 3 يوليو 2025 08:00 م
مع بداية شهر يوليو الجاري، دخلت حيز التنفيذ زيادات جديدة في رواتب العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات بنسبة تصل إلى 15%، ضمن سلسلة من الإجراءات الحكومية لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
غير أن هذه الزيادات لم تُحدث الأثر المرجو في حياة المواطنين، إذ تزامنت مع قرارات أخرى رفعت أسعار الخدمات العامة ورسوم الطرق والطاقة والمياه وحتى السجائر، ما أدى إلى تسارع التضخم وذوبان الزيادة في الرواتب قبل أن تصل إلى الجيوب.
كانت أسواق الخضروات والفاكهة أول من التقط إشارة الارتفاعات، لتقود موجة جديدة من الغلاء زادت فيها أسعار السلع بشكل غير مسبوق. ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يتجاوز معدل التضخم في مصر 25% خلال الشهر المقبل، في وقت يستهدف فيه البنك المركزي الوصول بها إلى أقل من 16% بنهاية العام.
الفاكهة.. رفاهية من الماضي
لم تكن الفاكهة يوماً رفاهية في البيت المصري، بل جزءاً من العادات الغذائية اليومية، سواء تفاحة بعد الغداء، أو موزة في حقيبة الطفل، أو طبق فاكهة في الأمسيات العائلية، لكن هذه المشاهد باتت جزءاً من ذاكرة تتلاشى تحت وطأة الغلاء.
وللشهر الثاني على التوالي، تتصاعد شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار الفاكهة إلى مستويات جعلتها "للنظر فقط"، مع تراجع القدرة الشرائية وغياب الرقابة على الأسواق، ما فرض على الأسر أنماط استهلاك جديدة قوامها التقشف الشديد.
في جولة على الأسواق الشعبية والراقية، تظهر الفوارق الطبقية في مشهد واحد: عنب بـ65 جنيهاً للكيلو، مشمش بـ60، خوخ بـ40، مانجو تبدأ من 80 جنيهاً وقد تصل إلى 150 حسب الصنف، وبطيخة واحدة قد تُباع بـ120 جنيهاً. الأسعار التي كانت قبل عام تقريباً أقل بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%.
"الحبة بالحساب".. فواكه بالتقسيط!
في سوق باكوس الشعبي بالإسكندرية، يقول عم أحمد، أحد أقدم البائعين: "البيع ضعيف جداً، رغم أننا في عز موسم الفاكهة.. الناس مش قادرة تشتري". ويشير إلى أن الزبائن يختارون أرخص الأصناف أو يشترون بالقطعة، بعدما كانوا يأخذون بالكيلو.
أما في سوق سيدي جابر، فالوضع ليس أفضل رغم أن المتسوقين من طبقات اجتماعية أعلى. تقول إحدى السيدات وهي تقف أمام كومة من الخوخ: "بقينا نختار صنف واحد فقط. أحياناً أحتار: أجيب فاكهة ولا خضار ولا أدفع فاتورة الكهرباء؟".
الرواتب لا تصمد أمام التضخم
يقول سعيد حسان، موظف في شركة خاصة، إنه أصبح يشتري "نصف بطيخة والموز بالحبة" لأول مرة في حياته. ويضيف: "الرواتب زادت، لكن الأسعار زادت أكتر، والدولة سايبة السوق من غير رقابة، والتجار بيحددوا الأسعار حسب هواهم".
عم سمير، بائع متجول، يصف حاله بأسى: "كنت ببيع من الصبح لحد العشا، دلوقتي بلف والناس تتفرج وتمشي، الأسعار نار والناس مش معاها، وفي الآخر ممكن أرمي البضاعة أو أبيع بخسارة".
حرمان غذائي خطير
غياب الفاكهة لا يعني فقط حرماناً من طعم أو رفاهية، بل يمثل خطراً صحياً، خصوصاً للأطفال والحوامل وكبار السن. أخصائي التغذية الدكتور أحمد منير يؤكد أن "نقص الفيتامينات والألياف يؤدي إلى ضعف المناعة، مشاكل في النمو عند الأطفال، وزيادة في حالات الإمساك".
وبدلاً من الفاكهة الطازجة، تتجه بعض الأسر إلى بدائل مثل العصائر الصناعية أو الجيلي أو الفاكهة المجففة، وهي لا تعادل من حيث القيمة الغذائية ما يحتاجه الجسم، كما تقول أم ندى، الموظفة وأم لثلاثة أطفال: "بنعمل أي حاجة تفرح الولاد.. عصير كرتونة أو جيلي، بدل ما نحس بالعجز كل يوم".
أسباب الارتفاع.. بين الطقس والدولار
نقيب الفلاحين حسين أبو صدام يُرجع جزءاً من الأزمة إلى "تغيرات مناخية أثرت على توقيتات الزراعة والحصاد"، لكنه يعترف بأن ارتفاع أسعار الوقود، وتكاليف النقل، والاعتماد على مستلزمات زراعية مستوردة بالدولار ساهمت بشكل كبير في انفجار الأسعار.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور هاني جنينة أن الوضع أعقد مما يبدو. يقول: "تكاليف الزراعة زادت بسبب الأسمدة والمبيدات والنقل، لكن الأهم أن المزارع يفضل تصدير محصوله بالدولار، لأن العائد أكبر، ما يقلل المعروض في السوق المحلي ويرفع الأسعار".
ويضيف جنينة: "الدولة تشجع التصدير الزراعي لجلب العملة الصعبة، وهذا مفهوم، لكن لا بد من وجود سياسة توازن بين تلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير.