بدأ وزراء حكومة عبدالفتاح السيسي، وأفراد عائلاتهم، قضاء عطلتهم الصيفية منذ الأسبوع الماضي بمدينة العلمين الجديدة، المطلة على البحر المتوسط، بعد صدور قرار رسمي بنقل اجتماعات مجلس الوزراء من العاصمة الإدارية الجديدة إلى هذه المدينة الساحلية حتى نهاية فصل الصيف في سبتمبر المقبل.
القرار، الذي صدر تحت مبرر استغلال المنشآت الحكومية هناك، أثار حالة من الجدل، لاسيما مع ما كشفته مصادر برلمانية عن أن الحكومة وفّرت إقامة فاخرة لكبار المسؤولين وأسرهم على نفقة الدولة، في وقت يعاني فيه ملايين المصريين من وطأة التضخم، وحرمان الغالبية من الاستجمام أو قضاء إجازة بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار المصايف.
وكان مدبولي قد ترأس أول اجتماع صيفي للحكومة في مقرها الجديد بمدينة العلمين، حيث أُعلن عن موافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار بترقية موظفي الجهاز الإداري للدولة ممن أتموا المدد البينية المطلوبة، بداية من 1 يوليو 2025، مع منح علاوة ترقية بنسبة 5% أو ما يعادلها. كما نص القرار على حافز مالي يتراوح بين 100 و150 جنيهاً لشاغلي المستويات العليا.
وفي سياق الاجتماع ذاته، أعلن مدبولي عن استئناف ضخ الغاز الطبيعي إلى عدد من المصانع، اعتباراً من صباح الجمعة الماضية، بعد انقطاع استمر لأيام نتيجة تراجع الإمدادات الإسرائيلية بسبب التصعيد العسكري الأخير بين تل أبيب وطهران. وسبق أن توقفت وزارة البترول عن تزويد مصانع الأسمدة والبتروكيماويات بالغاز، مما فاقم من أزمة الصناعة.
إقامة الوزراء في "شاليهات خاصة" على حساب الشعب
لكن ما أثار الجدل الأوسع لم يكن الاجتماعات ولا قرارات الترقيات، بل ما كشفته مصادر داخل البرلمان، حول تخصيص عدد كبير من الوحدات الفاخرة والفيلات في قرية "ليفير العلمين الجديدة"، ضمن ما يُعرف بمنطقة "شاليهات مجلس الوزراء"، لاستضافة الوزراء ونوابهم وأفراد أسرهم طوال فترة الصيف.
وأشارت المصادر إلى أن تلك الإقامات الفارهة تقع في الكيلو 107 على طريق الساحل الشمالي، مقابل أبراج العلمين الشاهقة، بالقرب من مقري مجلس الوزراء وقصر الرئاسة.
وأوضحت أن تكلفة الإقامة اليومية تصل إلى ملايين الجنيهات في ظل ارتفاع أسعار الشقق الفندقية وتكاليف الخدمات، بينما يُصرف للوزراء بدلات مالية تغطي كافة احتياجاتهم.
ويأتي هذا السلوك في وقت تشتد فيه الأزمة الاقتصادية، وتشهد الأسواق موجة غلاء شديدة، وسط ارتفاع أسعار الإيجارات المصيفية وتدهور القدرة الشرائية للمواطن، الذي بات يعجز عن تلبية حاجاته الأساسية، فضلاً عن التفكير في عطلة صيفية.
ترف حكومي وسط "نداءات للترشيد"
ورغم توصيات مجلس النواب للحكومة بضرورة تطبيق قرارات ترشيد الإنفاق العام على كافة الهيئات المدرجة بالموازنة، فإن استضافة أعضاء الحكومة على نفقة الدولة في أحد أكثر المناطق السياحية كلفة في مصر يناقض هذه الدعوات تماماً.
الجدير بالذكر أن إنشاء خمسة أبراج مطلة على البحر بالعلمين الجديدة كلف نحو ملياري دولار (أكثر من 100 مليار جنيه)، وفقاً لتقديرات رسمية، حيث تتولى تنفيذها شركة صينية لصالح وزارة الإسكان. وتضم المنطقة برجاً أيقونياً بارتفاع 250 متراً و68 طابقاً، إلى جانب أربعة أبراج أخرى يتراوح ارتفاعها بين 190 و200 متر.
ويأتي هذا الإنفاق الضخم في ظل ضغوط مالية حادة تمر بها مصر، دفعتها إلى عرض أصول مملوكة للدولة أمام مستثمرين خليجيين لتوفير سيولة نقدية.
ورغم هذه الظروف، يتجلى التناقض في إصرار الحكومة على مشاريع ضخمة ذات طابع استعراضي، في مقابل استمرار نزيف الأزمة المعيشية في صفوف الطبقات الوسطى والفقيرة.
غضب شعبي وأسئلة بلا إجابة
في الشارع، يتصاعد الغضب من مظاهر الترف الحكومي التي تتناقض تماماً مع واقع المواطن الذي يواجه ارتفاعاً متسارعاً في أسعار السلع والخدمات، وتراجعاً في فرص الترفيه، بل والعيش الكريم.
ويطرح البعض تساؤلات حول مدى قانونية تحمل الدولة نفقات إقامة المسؤولين وأسرهم في مصايف فارهة، في حين يتم الحديث باستمرار عن "الأزمة الاقتصادية" و"الحاجة إلى التقشف".