“132 جنيهًا في اليوم.. بلا إجازات أو تأمينات أو أفق للتعيين”—هكذا اختصر عمال اليومية في الشركة المصرية لتجارة الجملة، إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين، معاناتهم المستمرة منذ سنوات، مؤكدين أنهم يعيشون أوضاعًا وصفت بـ"المأساوية" في ظل غياب العقود الرسمية، وحرمانهم من الحقوق القانونية الأساسية، بما في ذلك التأمين الصحي والاجتماعي.
ورغم أن بعض هؤلاء العمال مضى على عملهم بالشركة أكثر من ست سنوات، إلا أنهم لا يزالون يتقاضون أجورهم على أساس يومي بقيمة 132 جنيهًا، دون أي ضمان لحقوقهم، وسط تأخر مستمر في صرف المرتبات، وتهديدات ضمنية بالطرد التعسفي لمن يطالب بحقه أو يشتكي من الظروف.
أجور هزيلة وتأخير دائم
بحسب روايات عدد من العمال، فإن الأجور الشهرية التي يتقاضونها غالبًا ما تتأخر أكثر من 15 يومًا بعد نهاية الشهر، مما يسبب لهم مشكلات حياتية جسيمة، خصوصًا لأولئك الذين يسكنون بالإيجار ويُعيلون أسرًا. أحد العمال قال: "بنشتغل في العيد على حسابنا، الإجازة المرضي تخصم، ومفيش مواعيد شغل محددة.. ممكن يخلونا نشتغل 12 ساعة من غير تعويض أو راحة."
أعمال دائمة.. بعمالة مؤقتة
يعمل عمال اليومية في صرف ونقل وتوزيع المقررات التموينية والسلع الحرة بمختلف فروع الشركة المنتشرة في محافظات الجمهورية. تتنوع مهامهم ما بين إدخال بيانات، وأمانة عهدة، وأمناء نقاط البيع، وهي – بحسب تأكيدات العمال – نفس المهام التي يضطلع بها العاملون المعينون بالشركة. أحدهم أوضح: "بنشتغل زي الموظفين المثبتين بالضبط.. مفيش فرق غير إن هما ليهم حقوق وإحنا لأ."
وأكد العمال أن التحاقهم بالشركة تم عبر إعلان رسمي لوظائف مؤقتة، تضمن نصًا صريحًا على التثبيت لاحقًا لمن يثبت انتظامه في العمل، لكن هذا الوعد بقي حبرًا على ورق.
صمت رسمي وشكاوى بلا استجابة
لم تقتصر شكاوى العمال على الشركة فقط، بل امتدت إلى الشركة القابضة للصناعات الغذائية ووزارة التموين وحتى رئاسة مجلس الوزراء. ورغم ذلك، لم يتلقَّ العمال أي رد، ما جعلهم يشعرون بأن حقوقهم مهدرة، ويعيشون في حالة من القلق المستمر خشية الفصل المفاجئ دون سابق إنذار.
عامل آخر قال: "لو اشتكينا ممكن ننطرد أو ننقل تعسفي.. والشركة لا بتحقق ولا بتدي فرصة للدفاع عن النفس.. مفيش قانون بيحمينا."
انتهاك قانوني في وضح النهار
الوضع الحالي – بحسب خبراء قانونيين – يُعد مخالفة صريحة لقانون العمل المصري، الذي يُلزم صاحب العمل بتحرير عقود لمن يعمل لديه مدة تزيد عن ثلاثة أشهر، كما يُعد حجب التأمينات الاجتماعية والصحية انتهاكًا لحقوق أساسية مكفولة في الدستور.
شركة حكومية بأرباح.. وعمال بلا ضمانات
الشركة المصرية لتجارة الجملة، وفقًا لموقع الشركة القابضة، تمتلك أكثر من 950 فرعًا في جميع أنحاء الجمهورية، وتوفر سلعًا غذائية بأسعار مخفضة تتراوح ما بين 10% إلى 30% عن السوق الحر، كما تمتلك إمكانيات لوجستية متطورة تشمل غرف تبريد وتجميد وتعبئة للمواد الغذائية.
ورغم هذا النشاط الواسع والربحية المحتملة، فإنها تستمر في تشغيل مئات العمال بعقود يومية "هشة"، في تجاهل واضح لمبدأ العدالة الوظيفية والمساواة بين العاملين داخل الكيان نفسه.