حذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد خلال الأيام القادمة، وسط انتقادات متصاعدة للحكومة الانقلابية بقيادة عبد الفتاح السيسي بشأن غياب الاستعدادات والبنية التحتية الكفيلة بحماية المواطنين، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية.

درجات حرارة قياسية.. حرارة تتجاوز الـ 45 درجة مئوية

أعلنت هيئة الأرصاد يوم السبت 22 يونيو 2025 أن البلاد ستشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة بداية من الأحد 23 يونيو وحتى مطلع يوليو، متوقعةً أن تصل درجات الحرارة في بعض المناطق، مثل أسوان والأقصر والوادي الجديد، إلى 45-47 درجة مئوية، مع زيادة ملحوظة في نسب الرطوبة في الوجه البحري والقاهرة الكبرى.

وبحسب بيان الهيئة، فإن القاهرة ستتجاوز حاجز الـ42 درجة مئوية خلال ساعات النهار، بينما ستبلغ درجة الحرارة "المحسوسة" في المناطق الساحلية أكثر من 40 درجة، بسبب ارتفاع نسب الرطوبة التي ستصل إلى 85% في بعض الأيام.

 

بنية تحتية عاجزة..

تعاني مصر منذ سنوات من ضعف منظومة الكهرباء والمياه، وهو ما يتفاقم خلال فترات الحرارة الشديدة، ورغم تصريحات المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أيمن حمزة، يوم 25 يونيو 2025 بأن "الوزارة جاهزة للتعامل مع الأحمال المرتفعة"، فإن الواقع على الأرض يكشف عن تكرار انقطاعات التيار في العديد من المناطق، خاصة الشعبية، مما يعرّض حياة كبار السن والمرضى للخطر.

وفي حين يتمتع القصر الرئاسي والمنتجعات التابعة للنظام الانقلابي بكامل خدمات التبريد والكهرباء، يعاني ملايين المصريين في العشوائيات من ارتفاع درجات الحرارة داخل منازل لا تتجاوز جدرانها الصفيح أو الأسمنت المكشوف، ما يدفعهم للخروج إلى الشوارع ليلاً في محاولة يائسة للهروب من الجحيم الداخلي.

 

نصائح رسمية بدون توفير حلول

في بيانها الرسمي، اكتفت هيئة الأرصاد بدعوة المواطنين إلى "عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة"، و"ارتداء ملابس قطنية فاتحة"، و"الإكثار من شرب المياه"، دون تقديم أي خطط حقيقية لتوفير مراكز تبريد عامة أو دعم للمستشفيات التي تعاني من نقص أجهزة التبريد والطاقة.

المثير للسخرية أن وزارة الصحة، في منشور عبر صفحتها الرسمية يوم 24 يونيو، نصحت المواطنين بـ"تأجيل الخروج إلا للضرورة"، متناسية أن معظم المصريين لا يملكون رفاهية البقاء في منازلهم، خاصة عمال اليومية وسائقي التوكتوك والبسطاء الذين يعتمدون على عملهم اليومي لتأمين قوت يومهم.

 

انعكاسات صحية خطيرة: ارتفاع في حالات ضربة الشمس والإجهاد الحراري

وفقاً لتقرير صادر عن نقابة الأطباء يوم 26 يونيو، ارتفعت حالات دخول المستشفيات بسبب ضربات الشمس إلى أكثر من 600 حالة في أسبوع واحد فقط، معظمها في محافظات الصعيد والدلتا، كما سجلت مستشفيات بني سويف والمنيا والجيزة حالات وفاة بين مسنين وأطفال يعانون من أمراض مزمنة، نتيجة الحرارة الشديدة ونقص التهوية.

وحذر الدكتور محمد فوزي، أستاذ الصحة العامة بجامعة عين شمس، من أن "ارتفاع الحرارة بهذا الشكل قد يؤدي إلى كارثة صحية"، مشيراً إلى أن "البنية الصحية في المستشفيات الحكومية غير مهيأة للتعامل مع مثل هذه الظروف، خصوصًا في ظل نقص الكوادر الطبية والمعدات".

 

النظام مشغول بالمشاريع الوهمية: العاصمة الإدارية تستهلك الكهرباء بينما القرى تغرق في العتمة

في مشهد يعكس المفارقة؛ يتفاخر نظام السيسي بمشاريعه "الاستراتيجية" مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي تستهلك مليارات الجنيهات وكمًّا هائلًا من الكهرباء، في الوقت الذي تعاني فيه قرى بأكملها في محافظات الصعيد من انقطاع مستمر للتيار.

بحسب تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات صدر في مايو 2025، فإن مشروع العاصمة الإدارية استنزف حتى الآن أكثر من 80 مليار جنيه في البنية التحتية وحدها، منها 11 مليار جنيه في شبكة الكهرباء فقط، بينما لم تُخصص سوى 2.3 مليار جنيه لدعم مشروعات الكهرباء في صعيد مصر منذ 2020.

 

أزمة مناخية في ظل نظام عاجز

تُعد هذه الموجة الحارة جزءاً من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، لكن الدول ذات الإدارة الكفؤة تتخذ إجراءات احترازية لتقليل الأضرار، كتوفير ملاجئ مبردة، وتعليق الدوام في ذروة الحرارة، وتوعية المواطنين ميدانياً، وهو ما يغيب تمامًا عن المشهد المصري في ظل حكم عسكري لا يكترث إلا بالصورة الإعلامية.

ويشير خبراء المناخ، مثل الدكتورة منى المهدي، إلى أن مصر باتت من أكثر الدول عرضة لآثار تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط، لكن النظام الانقلابي يفتقر إلى "أي استراتيجية وطنية واقعية لمجابهة ذلك"، حسب تعبيرها في ندوة أقيمت بجامعة القاهرة في 18 يونيو 2025.

 

صيف ملتهب وسلطة باردة

في النهاية، يقف المواطن المصري وحده في وجه حرارة تجاوزت المعقول، ونظام لا يعرف إلا القمع وتشييد الجدران الإسمنتية حول القصور، وبينما تصرخ الأرض والسماء بحرارة ملتهبة، تواصل السلطة الإنقلابية تجاهل الكوارث، غير مكترثة سوى بمصالح حفنة من رجال الأعمال والمستثمرين المقربين، تاركةً ملايين المصريين يواجهون الموت البطيء، تحت شمس لا ترحم، وحكم لا يُبالي.