في خطوة جديدة تضاف إلى سلسلة القرارات التي تستهدف التضييق على المواطنين وأصحاب الأعمال الصغيرة، أعلنت الحكومة المصرية الموالية للجنرال عبد الفتاح السيسي، أنها ستبدأ اعتبارًا من الاثنين المقبل 1 يوليو 2025، تطبيق مواعيد صيفية جديدة لإغلاق المحال التجارية والمطاعم والمقاهي.

القرار، الذي أثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل، يأتي في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتضاؤل فرص العمل.

تفاصيل القرار.. مزيد من السيطرة بحجة "الانضباط"

وفقًا لقرار وزارة التنمية المحلية، سيتم إغلاق المحال التجارية يوميًا في تمام الساعة 11 مساءً، على أن تمتد المهلة حتى الواحدة صباحًا أيام الخميس والجمعة والإجازات الرسمية.

أما المطاعم والمقاهي، فيُسمح لها بالإغلاق في الساعة الواحدة صباحًا يوميًا، بينما تظل الورش في المناطق السكنية ملزمة بالإغلاق في الساعة العاشرة مساءً.

وبحسب اللواء هشام آمنة، وزير التنمية المحلية، فإن القرار يهدف إلى "توفير استهلاك الطاقة وتحقيق الانضباط في الشارع المصري"، لكن منتقدين يعتبرونه جزءًا من النهج الأمني الذي يحكم قبضته على تفاصيل الحياة اليومية.

 

السياق الاقتصادي.. أزمة خانقة تتجاهلها الحكومة

تزامن القرار مع مؤشرات اقتصادية تنذر بالخطر، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي 38% في مايو 2025، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما سجل الجنيه المصري أدنى مستوى له في تاريخه مقابل الدولار عند 71 جنيهًا للدولار الواحد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني.

في هذا السياق، تُطرح تساؤلات مشروعة: كيف يُفرض على أصحاب المحال والمطاعم إغلاق أبوابهم مبكرًا، في وقت لم تعد الأرباح تغطي حتى تكاليف التشغيل؟ ألا يُفترض بالدولة أن تساعدهم بدلاً من خنقهم بهذه الإجراءات؟

 

الغرف التجارية تُحذر.. القرار يضر بـ 5 ملايين عامل

رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إبراهيم العربي، أبدى تحفظه على توقيت تطبيق القرار، مشيرًا إلى أن أكثر من 5 ملايين مصري يعملون في القطاع غير الرسمي بالمحال والمطاعم والمقاهي، وأكد أن تقليص ساعات العمل قد يدفع العديد من المحال للإغلاق الكامل، مما سيفاقم أزمة البطالة.

من جانبه، قال رئيس شعبة المطاعم بغرفة القاهرة، علاء عز، في تصريح لوسائل الإعلام: "المطاعم تعمل أساسًا في الفترة المسائية، وإذا تم إجبارها على الإغلاق في الواحدة صباحًا فذلك يعني تقليص الإيرادات بنسبة تصل إلى 40%".

 

الشارع المصري غاضب.. "نشتغل إمتى؟ نأكل منين؟"

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت وسوم مثل #قرار_خنق_الغلابة و #خليك_في_البيت_بالقوة وعبّر آلاف المواطنين عن سخطهم من القرار.

أحد أصحاب المحال في حي شبرا كتب: "بندفع كهربا وضرائب وتأمينات، وجايين تقولولنا اقفلوا 11؟ نشتغل إمتى؟ نأكل منين؟".

وتداول ناشطون أيضًا فيديوهات لمواطنين غاضبين وهم يقولون إن "الدولة بتعاقب الناس عشان بترزق نفسها بعيد عن وظائف الحكومة اللي بقت شبه مستحيلة"، في إشارة إلى انسداد الأفق الوظيفي في القطاع العام.

 

تبريرات أمنية وفشل في إدارة المدن

السلطات تبرر القرار بأنه خطوة نحو "تنظيم الحياة العامة" وتقليل الزحام وتقليص الجرائم الليلية، لكن تقارير أمنية غير رسمية نشرتها مواقع قريبة من النظام ذاته، أكدت أن الجرائم الليلية لم تتراجع بعد تطبيق قرارات مشابهة في السنوات الماضية، وهو ما يجعل هذه الذريعة مفرغة من مضمونها.

فالحكومة تُحمّل المواطن عبء سوء التخطيط العمراني والفشل في إدارة المدن، بدلاً من تبني حلول مستدامة كدعم المرافق العامة أو تحسين شبكة النقل الليلي.

 

القرارات المتكررة.. عقلية عسكرية تحكم تفاصيل الحياة

هذه ليست المرة الأولى التي تُفرض فيها مواعيد إلزامية للإغلاق، فقد سبق أن تم تطبيق قرارات مماثلة منذ عام 2020 في ظل جائحة كورونا، ثم تم تثبيتها في الأعوام التالية رغم تغير الظروف، ويعتبر معارضون أن هذا النهج يعكس عقلية أمنية عسكرية تتعامل مع الشارع المدني كـ"ثكنة عسكرية" يجب إخضاعها للتعليمات.

يقول الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق إن "كل القرارات التي تخص الحياة اليومية تأتي من منطلق ضبط أمني لا اجتماعي أو اقتصادي، والسلطة الحاكمة لم تنجح في تحقيق أي توازن بين السيطرة والمصلحة العامة".

 

"نظام يعاقب الناس على العمل"

في بيان أصدرته صفحة "التيار المدني الديمقراطي" على فيسبوك، هاجمت القرار وقالت إن "السلطة الانقلابية تمارس عنفًا اقتصاديًا ممنهجًا بحق الطبقة الوسطى والدنيا، وتمنعهم حتى من محاولة تحسين دخلهم عبر عمل مشروع" ودعت القوى الوطنية إلى "مراجعة جذرية للسياسات التي تخنق الاقتصاد المحلي وتُحمل الفقراء ثمن الانهيار الاقتصادي".

 

ضغوط لا تنتهي في ظل حكم السيسي

مع تصاعد القرارات القمعية وغياب أي آليات حقيقية لمشاركة الشعب في صنع القرار، تزداد الهوة بين النظام الحاكم والمواطنين، وفي ظل حكم عبد الفتاح السيسي، الذي جاء عبر انقلاب عسكري في يوليو 2013، تحولت سياسات الدولة إلى أدوات قمع اقتصادي موازٍ للقمع السياسي، قرار غلق المحال ما هو إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من القرارات التي تضيّق الخناق على لقمة العيش وتدفع المواطن المصري نحو مزيد من العزلة والاحتقان.