تحتفل مصر، أمس الخميس 20 يونيو 2025، بـ"اليوم العالمي للاجئين" الذي أقرته الأمم المتحدة لتكريم الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم بسبب الحروب والاضطهاد، ولتسليط الضوء على معاناة أكثر من 120 مليون لاجئ ونازح قسريًا حول العالم، وفقًا لأحدث تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وإبراز معاناتهم وحقهم في الحماية والاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
وبينما تنظم حكومة الانقلاب المصرية فعاليات احتفالية تروّج لدورها "الإنساني"، تتصاعد الانتقادات من منظمات حقوقية وأكاديميين مصريين يتهمون النظام باستخدام ملف اللاجئين كورقة سياسية وسط تجاهل فعلي لمعاناتهم وتوظيف إعلامي قائم على التضليل.
احتفال رسمي وصورة إعلامية "مُجمّلة"
أعلنت وزارات الخارجية والتضامن الاجتماعي بحكومة الانقلاب العسكري المصري، إلى جانب مفوضية اللاجئين، إطلاق فعاليات متنوعة اليوم في القاهرة وعدة محافظات، تشمل معارض حرف يدوية وورش عمل وثقافية، بمشاركة لاجئين من السودان وسوريا واليمن.
وصرّحت وزيرة التضامن بحكومة الانقلاب نيفين القباج بأن "مصر تستضيف أكثر من 9 ملايين لاجئ ومهاجر يعيشون بكرامة بين المصريين"، مضيفة أن "الدولة لا تقيم مخيمات وتعاملهم كضيوف لا كلاجئين".
هذا الرقم أثار جدلاً واسعًا؛ حيث أكدت تقارير الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين المسجّلين في مصر حتى بداية 2024 لم يتجاوز 480 ألف شخص، معظمهم من السودان وسوريا وإثيوبيا واليمن، وهو ما يكشف فجوة بين التصريحات الرسمية والبيانات الدولية.
وبحسب مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، بلغ عدد طالبي اللجوء المسجلين خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 107,419 شخصاً، منهم 73% من النساء والأطفال، و19% من ذوي الإعاقة.
أرقام وهمية وخطاب دعائي..
يرى الدكتور هاني سليمان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن خطاب الدولة حول اللاجئين "دعائي بامتياز"، ويهدف إلى "تجميل صورة النظام خارجيًا، خاصة مع توالي الانتقادات الحقوقية ضد سجل مصر في قضايا اللجوء وحقوق الإنسان".
ويضيف: "هناك مبالغة مقصودة في تضخيم أعداد اللاجئين لجذب تمويلات دولية، وتبرير ضغوط اقتصادية، دون تقديم سياسات دمج حقيقية".
وقد أشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" صدر في مايو 2024 إلى أن مصر تشهد تمييزًا واضحًا ضد اللاجئين الأفارقة، خاصة السودانيين، في ما يخص التعليم والرعاية الصحية والسكن، بل وتم رصد عمليات ترحيل قسري مخالفة للقانون الدولي في العام 2023 بحق أكثر من 400 لاجئ سوداني على الحدود الجنوبية.
أزمة سودانيي مصر.. لجوء على الهامش
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023، تدفق إلى مصر ما يزيد عن 500 ألف لاجئ سوداني، بحسب المفوضية، لكن غالبيتهم يعيشون في أوضاع صعبة، دون مساعدات كافية.
ورغم تعهدات حكومة الانقلاب المصري بتوفير الرعاية، أفاد تقرير صادر عن مركز "الفنار للدراسات" في يناير 2025 أن اللاجئين السودانيين في أسوان والقاهرة يتعرضون لممارسات تمييزية وابتزاز مالي من جهات أمنية.
وفي هذا السياق، كتب الباحث الاقتصادي المصري أحمد عبد الجليل، في دراسة نشرها معهد كارنيغي، أن "الدولة تستخدم اللاجئين كقوة عمل رخيصة وغير مؤمنة اجتماعيًا، دون أي خطط رسمية للدمج أو الحماية"، مشيرًا إلى أن الخطاب الحكومي يكرّس "اللامرئية السياسية" للاجئين في المجتمع.
الإعلام الرسمي.. مُضلل
التغطية الإعلامية المصرية لليوم العالمي للاجئين اتسمت بالتناقض، ففي برنامج "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد، قال الإعلامي المقرب من نظام الانقلاب أحمد موسى إن "مصر تتحمل أعباء 10 ملايين لاجئ ولا تتلقى دعما كافيا من العالم"، بينما وصف اللاجئين في حلقة سابقة بـ"العبء الأمني على الدولة".
ويشير الدكتور خالد عبد الفتاح، أستاذ الإعلام بجامعة حلوان، إلى أن هذه التناقضات "تعكس ارتباك الخطاب الرسمي واستخدام الإعلام كأداة تطويع للرأي العام، دون تقديم أرقام حقيقية أو بيانات محققة من جهات مستقلة".
ولفت إلى أن "تضليل الأرقام هدفه سياسي واقتصادي، لتحصيل مزيد من المعونات الدولية وتسويق صورة إنسانية غير واقعية".
أبعاد اقتصادية.. من يتحمل الكلفة؟
في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها مصر، يطرح ملف اللاجئين تساؤلات ملحّة حول تمويل رعايتهم، وقد أشار تقرير للبنك الدولي، صادر في فبراير 2025، إلى أن الدعم المقدم للاجئين في مصر لا يتجاوز 20% من احتياجاتهم الفعلية، وأن الدولة تعتمد على المنظمات الدولية لتمويل الخدمات الأساسية.
ويرى الاقتصادي المعارض الدكتور عبد الحميد البنا أن "النظام يستخدم وجود اللاجئين كذريعة لطلب المزيد من التمويلات والقروض، بينما لا توجه فعليًا هذه الأموال لتحسين أوضاع اللاجئين أو حتى المصريين"، مشيرًا إلى أن "الخلل البنيوي في الإدارة هو السبب الرئيسي لفشل الدمج الاجتماعي والاقتصادي للاجئين".
احتفال فوق أطلال المعاناة
في ظل الأزمات المتلاحقة، يبدو اليوم العالمي للاجئين في مصر احتفالًا شكليًا فوق أنقاض واقع مأساوي، فبين تصريحات رسمية متفائلة، وتجاهل للأزمات الحقيقية، تتسع الهوة بين صورة النظام التي يروّجها للعالم، وبين الحقائق التي يكشفها الباحثون والتقارير المستقلة.
وما لم تُغيّر الدولة نهجها من التوظيف السياسي إلى المسؤولية الحقوقية، ستظل مصر بلدًا لاجئًا من الحقيقة، قبل أن تكون بلدًا "مضيفًا" للاجئين.