في تطوّر جديد يربط بين التوترات الجيوسياسية وسوق الطاقة الإقليمي، أعلنت عدة شركات مصرية عاملة في مجال صناعة الأسمدة، أمس الجمعة، تعليق عملياتها الإنتاجية مؤقتًا نتيجة انخفاض حاد في واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل. هذه الخطوة تعكس هشاشة أمن الطاقة في المنطقة ومدى اعتماد حكومة السيسي على الغاز الإسرائيلي منذ تراجع إنتاجها المحلي في السنوات الأخيرة.

وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر مطّلعة، فإن توقف الإمدادات جاء عقب إغلاق عدد من الحقول الإسرائيلية الحيوية، على خلفية التوتر المتصاعد بين تل أبيب وطهران بعد الضربة الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت منشآت داخل إيران، في إطار ما وصفته إسرائيل بأنه "ردّ وقائي" على تهديدات إيرانية.

 

إسرائيل تغلق أكبر حقولها الغازية تحسبًا

وزارة الطاقة الإسرائيلية أعلنت رسميًا تعليق تشغيل حقل "ليفياثان"، الذي يُعدّ أكبر مصدر للغاز في البلاد، كإجراء وقائي لمواجهة أي رد عسكري محتمل من إيران. في الوقت ذاته، توقف الإنتاج أيضًا في حقل "كاريش" الذي تديره شركة "إنرجيان"، بينما لا يزال حقل "تمار" يعمل وإن بوتيرة منخفضة وتحت رقابة أمنية مشددة.

هذا الإجراء الإسرائيلي، رغم كونه وقائيًا، تسبب في ارتباك كبير في إمدادات الغاز إلى مصر، التي تستورد كميات كبيرة من الغاز من إسرائيل لتغذية صناعاتها، وعلى رأسها الأسمدة والبتروكيماويات. وقالت مصادر في القطاع إن وزارة البترول في حكومة السيسي لم تُعلن بعد جدولًا زمنيًا لعودة الإمدادات إلى وضعها الطبيعي، ما يثير قلق المستثمرين والعاملين في الصناعات الثقيلة.

 

صناعات مصرية تحت الضغط

يُعدّ الغاز الطبيعي عنصرًا أساسيًا في عدد كبير من الصناعات في مصر، خاصة تلك التي تعتمد على الطاقة بكثافة، مثل مصانع الأسمدة التي تستهلك الغاز كمادة خام أساسية وليس فقط كمصدر للطاقة. وقد دفع نقص الإمدادات الشركات إلى خفض الإنتاج أو التوقف الكامل مؤقتًا، في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اقتصادية مركبة تشمل شح النقد الأجنبي، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وضغوطًا على احتياطي الطاقة.

رغم غياب تصريح مباشر من وزارة البترول حول تداعيات الأزمة، أكد رئيس وزراء حكومة السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع تطورات الوضع في المنطقة بدقة، وتسعى لتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الوقود والسلع الأساسية تحسبًا لأي تطور ميداني مفاجئ.

 

اعتماد متنامٍ على الغاز الإسرائيلي

منذ تراجع إنتاج مصر من الغاز عام 2022، نتيجة نضوب بعض الحقول وتباطؤ الاكتشافات الجديدة، أصبحت البلاد تعتمد بشكل متزايد على واردات الغاز من إسرائيل. وتشير بيانات "مبادرة بيانات المنظمات المشتركة للطاقة" (جودي) إلى أن هذه الواردات تشكل نحو 40% إلى 60% من إجمالي واردات الغاز في مصر، وتغطي ما يصل إلى 20% من إجمالي الاستهلاك المحلي.

في محاولة استباقية لمواجهة أي فجوة مستقبلية، أعلنت الحكومة هذا الأسبوع توقيع اتفاقيات لاستيراد نحو 150 شحنة من الغاز الطبيعي المسال من شركات طاقة وتجارة عالمية، في ما وُصف بأنه أكبر اتفاق من نوعه في تاريخ البلاد. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة هذه الصفقة قد تتجاوز 8 مليارات دولار وفقًا للأسعار الحالية.

 

تداعيات أوسع تهدد صادرات مصر

يحذّر محللون من أن استمرار الأزمة الإسرائيلية – الإيرانية قد يؤدي إلى تعطيل أوسع في سلاسل إمداد الطاقة، ما قد يؤثر أيضًا على قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها من صادرات الغاز إلى أوروبا، التي أصبحت منذ عام 2022 سوقًا رئيسية لمصر بعد وقف الإمدادات الروسية عن بعض الدول الأوروبية.

وقد يؤدي أي اضطراب إضافي إلى تراجع الإيرادات الحكومية من صادرات الغاز، في وقت تعتمد فيه الموازنة المصرية على هذه العوائد كأحد المصادر الحيوية للدخل الأجنبي. ومن شأن ذلك أن يفاقم الضغوط التضخمية ويؤثر على سعر صرف الجنيه، وربما ينعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية.

 

توتر إقليمي يهدد أمن الطاقة العالمي

الأزمة الجيوسياسية الحالية لا تقتصر تداعياتها على مصر أو إسرائيل فحسب، بل تمتد آثارها إلى الأسواق العالمية. فكل تصعيد جديد بين إسرائيل وإيران يحمل في طياته تهديدًا مباشرًا للبنية التحتية الحيوية في شرق المتوسط، وقد يتسع ليشمل تعطيل حركة الملاحة أو إغلاق مضيق هرمز، ما قد يدفع بأسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية ويعيد خلط أوراق سوق الطاقة العالمية.

ومع غياب مؤشرات واضحة على التهدئة، تبقى الأسواق في حالة ترقب شديد، بينما تُجبر الدول المستوردة، مثل مصر، على إعادة ترتيب أولوياتها سريعًا لضمان أمن الطاقة وسط بحر متلاطم من الأزمات.