شهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأحد الماضي، مراسم توقيع عقود إنشاء مشروع “جريان” العقاري الفاخر في منطقة الشيخ زايد غرب القاهرة، على مساحة ضخمة تُقدّر بنحو 1600 فدان، وسط شراكة بين الذراع الاقتصادية للجيش وشركات كبرى في القطاع الخاص، مثل “بالم هيلز” و”ماونتن فيو”.
مشروع "جريان".. استثمار عقاري فاخر في قلب العاصمة
المشروع الذي وصفه مدبولي بأنه "شراكة استراتيجية بين الدولة والقطاع الخاص"، تديره شركة “نيشنز أوف ذا سكاي” المملوكة لجهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة”، الذراع التنموية للقوات المسلحة، بالتعاون مع جهاز المخابرات العامة. بينما تتولى الشركات الخاصة إدارة وتسويق المجمعات السكنية الفاخرة “كومباوندات” داخل المشروع.
وتزامن إعلان المشروع مع استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي دفعت الحكومة إلى طلب مساعدات وتمويلات من صندوق النقد الدولي، ضمن شروط صارمة كان من أبرزها تقليص دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد وفسح المجال أمام القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والأجانب.
الجيش يتوسع.. من الزراعة إلى العقارات الفاخرة
منذ إنشائه بقرار رئاسي عام 2022، توسّع جهاز “مستقبل مصر” من مشروع استصلاح أراضٍ إلى إمبراطورية اقتصادية تضم قطاعات استراتيجية، منها:
الاستحواذ على مشروعات زراعية على مساحة 4 ملايين فدان.
إطلاق أكبر مدينة للتصنيع الزراعي في محور الضبعة.
إدارة سوق لوجستي عملاق على مساحة 500 فدان.
إنشاء أكبر صوامع لتخزين القمح في البلاد بسعة 2.5 مليون طن.
السيطرة الكاملة على بحيرة البردويل شمالي سيناء بهدف التنمية والإنتاج السمكي.
والآن، ينتقل الذراع العسكري نحو العقارات الفاخرة، في وقت يعاني فيه المواطن المصري من أزمة سكنية خانقة وارتفاع غير مسبوق في أسعار الشقق،وسط غياب مشروعات حقيقية موجهة لذوي الدخل المحدود.
جدل سياسي واقتصادي.. تحذيرات محلية ودولية
يثير دخول المؤسسة العسكرية إلى قطاع التطوير العقاري الفاخر جدلاً واسعاً بين الخبراء والمراقبين. إذ يرون أن هذه الخطوة تعمّق الفجوة الاقتصادية، وتعزز التنافس غير المتكافئ بين الجيش والقطاع الخاص، ما يهدد بيئة الاستثمار ويقوض فرص النمو.
وكان صندوق النقد الدولي قد شدد مرارًا على ضرورة فصل النشاط الاقتصادي عن المؤسسة العسكرية، ووقف امتيازاتها الضريبية والإدارية، باعتبار أن استمرارها بهذا الشكل يمثل عائقًا رئيسيًا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق الشفافية.
من جهته، قال رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس في تصريحات سابقة إن “المنافسة مع مؤسسات لا تدفع ضرائب ولا رواتب وتتمتع بدعم الدولة ليست عادلة”، مؤكدًا أن البيئة الحالية لا تشجع على الاستثمار ولا على النهوض بالقطاع الخاص.
غياب العدالة الاجتماعية.. من يخدم هذا المشروع؟
رغم تأكيدات مدبولي بأن المشروع “جزء من منظومة عمرانية متكاملة” ستشمل لاحقًا مناطق تخدم كافة المستويات الاجتماعية، فإن الطابع الفاخر والجهات المنفذة يشير بوضوح إلى توجه لخدمة شريحة صغيرة من المجتمع.
وفي المقابل، تغيب الرؤية الواضحة لتوفير مساكن مناسبة وميسّرة للفئات المتوسطة والأقل دخلًا، وهي الفئات التي تتحمل عبء التضخم وتراجع القوة الشرائية منذ سنوات.