تحولت مدينة السادس من أكتوبر خلال الأسابيع الماضية إلى مسرح مأساوي لواحد من أسوأ حوادث انفجارات خطوط الغاز الطبيعي، حيث شهدت المدينة انفجارين قاتلين في خط الغاز الرئيسي بطريق الواحات – غرب سوميد، أسفرا عن سقوط ثمانية قتلى وعشرات المصابين بحروق بالغة، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها عن أداء دورها الرقابي والإنساني، وسط أزمة ثقة متصاعدة بين المواطنين والسلطات.
شهادات مأساوية من قلب المصابين
تروي ميار حسن، زوجة أحد ضحايا الانفجار، مصطفى حجازي، الذي يرقد في العناية المركزة منذ أكثر من أسبوعين، لحظات الرعب والفقد، قائلة:
"ليلة من أصعب ليالي عمري، كنت في العناية المركزة أتابع زوجي، بينما أرى أمامي مصابين يفارقون الحياة، وأسمع صرخات الكسرة والوجع في كل مكان، ولم ترسل لنا أي جهة رسمية كلمة تعزية أو وعد بتعويض، لا شعور يواسي ولا دعم طبي حكومي.
وتُجسد هذه الكلمات صوت آلاف الأسر التي فقدت أحبتها أو أصيبت في كارثة يمكن تجنبها لو توفرت إجراءات السلامة والرقابة.
انفجارات متكررة في بنية تحتية هشة
انفجارات الغاز ليست حادثة معزولة في السادس من أكتوبر، بل تتكرر حوادث الانفجار والتسرب بسبب أعمال حفر غير منسقة، تتم بلا إشراف أو خرائط دقيقة للبنية التحتية، وسط توسع عمراني سريع على بنية تحتية قديمة وغير مؤهلة.
سكان منطقة حدائق أكتوبر قالوا إنهم شمّوا رائحة الغاز قبل أيام من الانفجار، وقدموا شكاوى لشركة الغاز وجهاز المدينة، لكنها بقيت بلا رد فعل.
وقالت إحدى السيدات: "نعيش وسط قنابل موقوتة، مجرد حفر لودر خاطئ يكفي لتحويل حياتنا إلى جحيم. الدولة غائبة، والحياة أرخص من تنسيق بسيط بين شركات."
حصيلة الضحايا والمصابين
بحسب وزارة الصحة، ارتفع عدد الضحايا إلى ثمانية قتلى، منهم الشابتان سما عادل (23 عامًا) ومنة أيمن (25 عامًا) اللتان توفيتا بعد صراع مرير مع حروق الدرجة الرابعة في مستشفى "أهل مصر" الخيري.
وعشرات آخرون ما زالوا يعانون من إصابات حرجة، في مستشفيات تعاني من نقص الإمكانيات وتعتمد بشكل رئيسي على التبرعات والمبادرات الخيرية، وسط غياب شبه تام لأي دعم رسمي.
الدولة.. غياب كامل للمسؤولية والمحاسبة
رغم فداحة الحادث، لم تصدر الحكومة أي اعتذار رسمي أو تعهدات بتعويضات أو خطط إصلاح شاملة، ولم يتم استدعاء أو التحقيق مع أي مسؤول حكومي.
واقتصر الأمر على حبس مقاول وسائق لودر ومهندسين اثنين بتهمة الإهمال، في محاولة بائسة لتحميل مسؤولية الحادث على أربعة أفراد فقط.
تقرير نقابة المهندسين.. غياب التنسيق والإشراف
شكّلت نقابة المهندسين لجنة تقصي حقائق، وأصدرت تقريرًا رسميًا كشف عن غياب كامل للافتات التحذيرية، وغياب التنسيق بين شركات المقاولات وجهات البنية التحتية، وكسر خط الغاز أثناء أعمال الحفر التي تمت دون إخطار الجهات المختصة، مما تسبب في تسرب الغاز لمدة يومين قبل الانفجار.
ومع ذلك، تجاهل التقرير الأبعاد الأمنية المعقدة، إذ أن جهة الإشراف على هذه المشاريع تابعة لأجهزة سيادية، تعمل بأوامر مباشرة دون شفافية أو مساءلة، وهو ما يعمّق مأساة غياب الرقابة.
مستشفيات أهل مصر الخيرية.. ملاذ الضحايا
في ظل غياب الدعم الرسمي، تكافح مستشفى "أهل مصر" للحروق، التي أسستها هبة السويدي، لإنقاذ حياة المصابين.
وكتبت السويدي في منشور مؤلم:فقدنا سما ومنة، بنتان في مقتبل العمر راحتا بسبب إهمال، والأطباء منهارون من البكاء. عزاؤنا الوحيد أنهما أصبحتا شهيدتين.
تحليلات فنية تكشف الإهمال المؤسسي
المهندس هشام علي، استشاري نظم السلامة، أوضح في تحليل مفصل أن الحادث يكشف خللاً هيكلياً في تطبيق إجراءات الأمان، مبينًا أن الحفر في موقع عمل يخضع لقانون العمل، وكان يجب التنسيق مع الجهات الرسمية، مع غياب اللافتات والتحذيرات.
وأشار إلى أن القانون الجديد رقم 14 لسنة 2025 قد يوسع مسؤولية الحوادث لتشمل المتضررين من المارة، ويطالب بضرورة ملاحقة الشركات وليس الأفراد فقط، وهو ما يطالب به أهالي الضحايا منذ اللحظة الأولى.
الأسباب المباشرة والجذرية للحادث
أكد استشاري نظم السلامة أن الأسباب المباشرة هي اصطدام لودر بأنبوب الغاز خلال حفر غير منسق مع شركة الغاز "ناتجاس"، ما تسبب بتسرب الغاز لمدة يومين دون إبلاغ الجهات المختصة، قبل أن يشتعل الانفجار بسبب الحرارة وازدحام المرور.
تاريخ طويل من الحوادث المماثلة
حادثا الواحات جزء من سلسلة حوادث انفجارات وتسربات خطيرة التي حدثت خلال السنوات الماضية، من بينها انفجار يناير 2025 في الحي السابع بمدينة 6 أكتوبر، وتسربات الغاز والحرائق في محطات الصرف الصحي بالقليوبية في مارس 2024، وانفجار خط أنابيب النفط على طريق القاهرة-الإسماعيلية الصحراوي في يوليو 2020، وحوادث أخرى متكررة في مناطق مثل الشرابية ومدينة نصر.
ورغم خطورة هذه الحوادث، ظلت الإجراءات الرسمية ركيكة، والمحاسبة محدودة، والإصلاحات غير كافية لمنع تكرار الكارثة.
https://www.facebook.com/nagwa.eldessouky.562/posts/1650130615630523?ref=embed_post
https://www.facebook.com/heba.elsewedy.1/posts/10171117002520567?ref=embed_post