في سبتمبر 1978، أحرز جيمي كارتر واحدًا من أكثر الانتصارات الدبلوماسية غير المتوقعة في تاريخ الولايات المتحدة: اتفاقيات كامب ديفيد التي أرست السلام بين مصر وإسرائيل.
لكن خلف المصافحات وجوائز نوبل، دارت 13 يومًا من حرب نفسية وخيانات في اللحظة الأخيرة، وسط تركيز رئاسي مهووس بالتفاصيل بلغ حدّ السريالية.
المخاطرة
دخل كارتر البيت الأبيض بعزم على حلّ النزاع في الشرق الأوسط، وهو وعد أطلقه خلال حملته الانتخابية عام 1976. مستشاره للأمن القومي، زبيجنيو بريجينسكي، رأى في الأمر فرصة لتقليص النفوذ السوفييتي في العالم العربي، بينما نظر كارتر، المعمداني، إلى السلام كواجب ديني (صهيوني).
خطته كانت جريئة
إقناع أنور السادات بالاعتراف بإسرائيل مقابل انسحابها من سيناء، وتوفير مسار لتقرير المصير الفلسطيني.
لكن الاحتمالات كانت ضئيلة.
مناحيم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، اعتبر الضفة الغربية جزءًا من "يهودا والسامرة" التوراتية.
السادات، رغم رؤيته، واجه تهديدات بالاغتيال من أعضاء في وفده.
فريق كارتر نفسه انقسم بين الحذر الذي مثّله وزير الخارجية سايروس فانس، والاندفاع الاستراتيجي الذي مثّله بريجينسكي.
غرفة الضغط
اختار كارتر منتجع كامب ديفيد الرئاسي لعزل القادة. لا صحافة، لا اتصالات خارجية—فقط 44 مندوبًا في أكواخ خشبية، ينامون على أسرة ميدانية.
بريجينسكي تشارك غرفة مع مدير مكتب كارتر، بينما تعاملت ابنتاهما ميكا بريجينسكي وآمي كارتر مع المكان كأنه مخيم صيفي. بيجن وصفه بأنه "معسكر اعتقال فاخر".
كادت المحادثات تنهار خلال أيام. رفض المصريون والإسرائيليون الجلوس سويًا، وتناولوا الطعام على طاولات منفصلة.
عندما أدرك كارتر أن التفاوض المباشر غير مجدٍ، انتقل إلى دبلوماسية مكوكية، وبدأ بصياغة الوثائق بنفسه.
راجع خرائط سيناء بدقة، وناقش تفاصيل التضاريس لساعات مع محامين من الطرفين.
كتب بريجينسكي في مذكراته: "نقده النصي يضاهي خبراء القانون".
على الحافة
بيجن ظل العقبة الأكبر. رفض أي إشارة إلى السيادة الفلسطينية، واعتبر قرار مجلس الأمن 242 غير قابل للتطبيق على الضفة الغربية.
كارتر شكّ سرًا في توازنه العقلي.
السادات بدأ يشعر بالعزلة، واستقال وزير خارجيته خلال القمة خوفًا من ردود الفعل العربية.
في اليوم الحادي عشر، أمر السادات بطائرة مروحية للمغادرة.
كارتر، وقد سبق أن منعه جسديًا من المغادرة مرة، لجأ إلى التهديد: قطع العلاقات مع مصر، ودفعها مجددًا إلى حضن السوفييت.
ثم قدّم وعدًا سريًا: إذا نكثت إسرائيل باتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني، سينهار الاتفاق بأكمله. وافق السادات على البقاء.
التحايل السياسي
الصفقة النهائية صيغت بدهاء. السلام المصري الإسرائيلي كان واضحًا: استعادة سيناء، ودعم أمريكي لبناء مطارات إسرائيلية جديدة.
أما الشق الفلسطيني، فجاء غامضًا عمدًا—بيجن اعتبره بلا معنى، بينما روّج له السادات كخطوة للأمام.
في اللحظة الأخيرة، اعترض بيجن على بند يخص القدس. أسرع كارتر إلى كوخه يحمل صورًا موقعة لأحفاد بيجن. فبكى الزعيم الإسرائيلي العنيد—وتراجع.
ما بعد الاتفاق
احتفل العالم. أُشيد بكارتر كعبقري، ونال بيجن والسادات جائزة نوبل. لكن الشروخ ظهرت بسرعة.
أعلن بيجن أن تجميد الاستيطان سيستمر لثلاثة أشهر فقط، لا خمس سنوات كما فهم كارتر. شعر السادات بالخيانة.
بعد ثلاث سنوات، اغتيل السادات على يد ضباط غاضبين من كامب ديفيد. خسر كارتر الانتخابات عام 1980، ولم يسامح بيجن أبدًا.
بريجينسكي، الذي هاجمته جماعات مؤيدة لإسرائيل، أصبح لاحقًا بطلاً غير متوقع بين اليهود الأمريكيين.
الإرث
لم تحقق كامب ديفيد السلام الشامل، لكنها أثبتت أن "المستحيل" قابل للتفاوض—بمزيج من الضغط العاطفي والمناورة والتصميم.
كما اكتشف دونالد ترامب ورؤساء آخرون لاحقًا، فإن تكرار إنجاز كارتر يتطلب أكثر من أدوات النفوذ.
في الدبلوماسية، "فن الصفقة" لا يعني الانتصار. بل يعني البقاء.
https://www.politico.com/news/magazine/2025/05/17/trump-carter-mideast-peace-deal-00354432