سجن بدر.. زنزانات مغلقة على الانتهاكات والانتحار: 14 منظمة توثق ما تصفه بـ'القتل البطيء' في ظل صمت رسمي
الجمعة 2 مايو 2025 12:30 م
في الوقت الذي تشهد فيه مصر حملة دعائية واسعة لترويج ما تصفه بـ"تحسين أوضاع السجون"، يواجه مجمع مراكز إصلاح وتأهيل بدر، وتحديدًا مركز بدر 3، اتهامات متصاعدة بانتهاك حقوق المحتجزين، وصلت إلى حد توثيق محاولات انتحار جماعية ووفاة سجناء تحت التعذيب أو الإهمال الطبي. وفي أحدث بياناتها، عبّرت 14 منظمة حقوقية مصرية ودولية عن "قلق بالغ" مما وصفته بـ"تدهور متسارع لأوضاع الاحتجاز داخل سجن بدر"، وسط غياب شبه تام لأي رقابة مستقلة أو مساءلة قانونية.
البيان المشترك، الذي صدر، وصف سجن بدر 3 بأنه "نموذج لانهيار منظومة العدالة داخل مقار الاحتجاز، محذرًا من "كارثة إنسانية" تهدد حياة آلاف السجناء، بعد أن تحوّل إلى بيئة مغلقة تغيب عنها أدنى مقومات الكرامة الإنسانية، وتتفاقم فيها معدلات محاولات الانتحار والإضرابات.
زيارة مفرغة من معناها
تحدث البيان عن قيود جماعية تُفرض على الزيارات داخل سجن بدر 3، تتراوح بين المنع الكامل، أو السماح بزيارة عبر حاجز زجاجي يمنع المصافحة، في انتهاك واضح للقانون ولائحة السجون.
كما أشار إلى ممارسات تعسفية في تفتيش الأهالي ومنع إدخال الملابس والطعام، بينما لا يُسمح للمحتجزين بالتريض إلا مرة أسبوعيًا، في مخالفة صريحة لأحكام القانون رقم 396 لسنة 1956، ولائحته التنفيذية.
وفاة مريبة ومحاولات انتحار
سلّط البيان الضوء على وفاة السجين محمد هلال في 8 أبريل 2025 داخل مستشفى القصر العيني بعد تدهور حالته الصحية، في ظل اتهامات غير مؤكدة بتعرضه للتعذيب داخل السجن. وقد أشعل خبر الوفاة احتجاجات واسعة في الزنازين، استخدم فيها السجناء وسائل بدائية للتعبير عن غضبهم: من تغطية الكاميرات إلى إشعال الأغطية وطرق الأبواب. لكن إدارة السجن ردّت بوحشية، مستخدمة خراطيم المياه والاعتداء الجسدي، وحرمان جماعي من التريض.
الاحتجاجات لم تكن فقط على الوفاة، بل على ما وصفه البيان بـ"فقدان الأمل العام" داخل السجن. وهو ما تجسد في محاولات انتحار متعددة، أبرزها حالة سجين حاول شنق نفسه بعد حرمانه من الزيارة، وتعرضه لتهديد مباشر من أحد ضباط الأمن الوطني قائلًا له: "يبقى أحسن.. موت نفسك"، قبل إيداعه في زنزانة التأديب. وقد تم إنقاذ السجين لاحقًا ونقله إلى مستشفى المنيل الجامعي، ثم إلى مركز بدر الطبي.
وتحدثت المنظمات عن توثيق محاولات انتحار أخرى عبر الشنق، وإشعال النيران، وقطع الشرايين، وتناول جرعات زائدة من الأدوية، مما يعكس حالة من الانهيار النفسي العام وفقدان الثقة في وجود أفق لتحسين الأوضاع.
احتجاجات من داخل الزنازين
وفي ظل تزايد هذه الانتهاكات، دخل عدد من السجناء في إضراب جزئي عن الطعام، بينما امتنع آخرون عن استقبال الزيارات، في محاولة للضغط من أجل تحسين ظروفهم، والمطالبة بتطبيق لائحة السجون وضمان الحق في التريض والزيارة وتبادل الرسائل.
وحملت المنظمات الحقوقية الموقعة وزارة الداخلية وإدارة مجمع بدر المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات، مطالبة بإجراءات عاجلة تشمل الوقف الفوري للتجاوزات، وضمان الرعاية الصحية والنفسية، وفتح تحقيق شفاف في حالات الانتحار، والسماح للمنظمات المستقلة بزيارة السجن، وإلغاء استخدام الحبس الانفرادي كأداة عقابية.
موت بطيء في السجون
وفي سياق متصل، كشفت مؤسسة "جوار للحقوق والحريات" عن تصاعد خطير في الانتهاكات داخل السجون خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2025، موثقة وفاة 15 معتقلاً على الأقل، نتيجة الإهمال الطبي أو التعذيب، وهو ما وصفته بـ"سياسة ممنهجة للقتل البطيء".
ومن بين الضحايا: المهندس عبدالسلام صدومة في سجن الجيزة المركزي، ومحمد سليم سلمي في مركز شرطة قليوب، وسعد مدين في سجن برج العرب، ومتولي أبو المجد في سجن جمصة، وأحمد جبر الذي توفي بالمستشفى الجامعي بالإسكندرية، كما توفي كل من هشام الحداد، نبيل فرفور، محمد عبد الرازق، محمد حسن هلال وآخرون، في ظروف مشابهة.
وحذّرت المؤسسة من خطر داهم يهدد حياة الطفل المعتقل محمد عماد إبراهيم (16 عامًا) المحروم من علاج الربو، مشيرة إلى اعتقاله في أغسطس 2024 دون إذن قضائي، وإخفائه قسرًا 9 أيام قبل ظهوره أمام نيابة أمن الدولة.
محاكمات جماعية جديدة في قضايا سياسية
بالتزامن مع هذه التطورات، أحالت نيابة أمن الدولة العليا 54 مواطنًا للمحاكمة الجنائية، في القضية المعروفة بـ"خلية الشرقية"، بتهم تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. الاتهامات، التي وُصفت بأنها فضفاضة وتعتمد فقط على تحريات أمنية، أثارت قلق حقوقيين يرون أن استمرار هذا النمط من القضايا يهدد مصداقية العدالة ويغذي دائرة الانتهاكات داخل السجون ومراكز الاحتجاز.
دعوة للمجتمع الدولي
دعت المنظمات الحقوقية الآليات الأممية، وعلى رأسها المقرر الخاص بالتعذيب، إلى التحرك العاجل للضغط على الحكومة ووقف ما وصفته بـ"الانتهاكات الواسعة والممنهجة"، مؤكدين أن استمرار الصمت الدولي إزاء ما يحدث في سجن بدر وسجون أخرى "يعني التواطؤ مع منظومة تسحق كرامة الإنسان وتفلت من المحاسبة".