رغم وعود الطمأنة الرسمية واجتماعات الحكومة المتكررة مع مسؤولي السياسة النقدية، تكشف وثائق حكومية وتقارير دولية حديثة عن أزمة مالية واقتصادية تقترب من حافة الانفجار في مصر، وسط تصاعد الديون، وتفاقم العجز، وارتفاع معدلات التضخم، واتساع الفجوة التمويلية.

ففي الوقت الذي اجتمع فيه رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي مع محافظ البنك المركزي حسن عبدالله عصر الثلاثاء الماضي لمراجعة مؤشرات الاقتصاد الكلي، كانت تقارير البنك الدولي ونشرات اقتصادية محلية تكشف عن أرقام صادمة توضح حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها مصر، ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا والعالم العربي.

 

11.1 مليار دولار تستحق السداد خلال أسابيع
   بحسب تقرير حديث للبنك الدولي، تواجه مصر استحقاقات ديون خارجية بقيمة 11.1 مليار دولار خلال شهري مايو ويونيو 2025، في وقت تتسع فيه فجوة العجز في الحساب الجاري إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة زيادة واردات الغاز وتباطؤ إيرادات قناة السويس.

كما توقّع البنك ارتفاع عجز الموازنة المصرية إلى 7.2% من الناتج المحلي في السنة المالية 2025، مقابل 3.6% في العام السابق، مشيراً إلى أن معدلات التضخم ستظل مرتفعة عند 20.9% هذا العام، و15.5% في العام المقبل، وسط ركود في نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي، وهو ما يعمق من معدلات الفقر، ويُضعف قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية.

 

وثيقة حكومية: قفزة بنسبة 30% في التزامات سداد الديون
   وبينما تحاول الحكومة تصدير صورة منضبطة لإدارة الملف الاقتصادي، كشفت نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية عن وثيقة حكومية تفيد بأن إجمالي التزامات مصر من القروض المحلية والخارجية سيرتفع إلى 2.1 تريليون جنيه في 2025-2026، مقارنة بـ1.6 تريليون في السنة المالية الحالية.

وتشمل هذه الالتزامات سداد سندات محلية بـ768 مليار جنيه، وقروض داخلية بـ832 ملياراً، وديون خارجية بـ483 مليار جنيه، وهو ما يضع عبئاً هائلاً على الموازنة العامة التي تعاني أصلاً من تضخم أعباء خدمة الدين.

 

بيع الأصول الاستراتيجية كحل مؤقت
   في ظل هذه الضغوط، تواصل الحكومة الاعتماد على بيع الأصول العامة والأراضي الاستراتيجية للخروج من الأزمة، كما حدث في صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات مقابل 35 مليار دولار. وكشفت وزيرة التخطيط رانيا المشاط عن مفاوضات مماثلة مع ألمانيا والصين، بينما أُعلن عن صفقات قريبة مع الكويت وقطر والسعودية.

كما حصلت شركة "ناس" الإماراتية على موافقة للاستحواذ على 90% من شركة "سماد مصر"، ضمن سلسلة من صفقات الخصخصة التي تشمل مطارات ومستشفيات وشركات أدوية ومؤسسات مالية، في وقت أظهرت فيه مؤشرات بنك "سي آي كابيتال" أن مصر بحاجة إلى 27-29 مليار دولار لسد احتياجاتها التمويلية هذا العام، وتعاني من فجوة تمويلية تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار.

 

57 مليار دولار دعم خارجي لم يمنع التدهور
   اللافت أن الأزمة تتعمق رغم حصول القاهرة على دعم غير مسبوق في العام الماضي فقط، إذ تلقّت مصر ما يقارب 57 مليار دولار من قروض ومنح ومساعدات غربية، بينها 6 مليارات من البنك الدولي، و8.1 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، و8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ورغم ذلك، ما تزال الأزمات تتصاعد بوتيرة سريعة.

 

الدين العام يتجاوز 13 تريليون جنيه
   ووفق بيانات وزارة التخطيط، بلغ الدين العام 13.3 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2024، بنسبة 89.6% من الناتج المحلي، وتجاوزت خدمة الدين وحدها 2.6 تريليون جنيه، ما يمثل 60% من استخدامات الموازنة العامة، الأمر الذي يزيد من هشاشة الوضع المالي ويقلص الإنفاق على الخدمات الأساسية.

 

تقشف قاسٍ وغلاء خانق
   هذه الأرقام تُترجم إلى إجراءات تقشفية صعبة تمس حياة المصريين مباشرة، أبرزها خفض الدعم، ورفع أسعار الخبز، والوقود، والكهرباء، والمواصلات، إلى جانب قرارات متكررة لخفض قيمة الجنيه، التي جعلت الدولار يقفز من 8 جنيهات عام 2016 إلى أكثر من 51.5 جنيها حالياً.

ويشير تقرير صادر عن مركز "بصيرة" المصري إلى تراجع استهلاك اللحوم الحمراء إلى 9 كيلو فقط سنوياً للفرد، أي ما يعادل 750 جرام شهرياً، وهو ما يعكس حجم المعاناة التي يواجهها ملايين المصريين الذين انزلقوا إلى هوة الفقر.

 

الهيمنة الاقتصادية والفساد السياسي.. العقبة الكبرى
   ويرى خبراء ومحللون أن جوهر الأزمة لا يكمن فقط في الأرقام، بل في طبيعة النظام الاقتصادي والسياسي القائم. إذ يقول الباحث مصطفى خضري، رئيس مركز "تكامل مصر"، إن "المعضلة ليست في العجز والتضخم وحدهما، بل في بنية سلطوية تحتكر الاقتصاد وتمنع أي إصلاح حقيقي".

ويشير خضري إلى أن الشركات التابعة للنظام تسيطر على نحو 40-60% من الاقتصاد، ما يضعف القطاع الخاص ويُقصيه من المنافسة. كما ندد بغياب الشفافية، واحتكار النخبة الحاكمة لملفات الدين والاستثمار دون رقابة أو مشاركة مجتمعية، مؤكداً أن "الإصلاح الاقتصادي مستحيل في ظل غياب الإرادة السياسية والاحتكار السلطوي".

 

خطة إنقاذ مشروطة بـ"تغيير جذري"
   يطرح خضري خطة إنقاذ من ثلاثة بنود: وقف النزيف المالي بإعادة التفاوض على الديون، مواجهة التضخم بسياسات نقدية جادة وتحرير حقيقي للجنيه، ثم إطلاق إصلاح سياسي شامل يشمل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة هيكلة النظام الإداري والاقتصادي.

لكنه يختم بالقول إن "أي خطة للإنقاذ ستبقى حبراً على ورق ما لم يحدث تغيير جذري في بنية النظام الحاكم"، محذراً من أن البلاد تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: "إما التغيير، أو الانهيار".

وظهر العديد من المصريين من مستويات اجتماعية متفاوتة بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، يشكون الغلاء والفقر والحاجة وسوء الأوضاع.
https://www.facebook.com/watch/?v=563503942982652