أعلنت مبادرة حوض النيل دخول الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل (عنتيبي) حيز التنفيذ بشكل رسمي، وهو ما أثار مخاوف جمة لدى الحكومة المصرية. ورغم الترحيب الإثيوبي بالخطوة الجديدة، أعربت مصر والسودان عن عدم التزامهما بهذه الاتفاقية، مشيرتين إلى أنها تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. وفي هذا السياق، يواجه عبد الفتاح السيسي أزمة كبيرة، حيث أصبحت قضية سد النهضة مسألة وجود بالنسبة لمصر. تأتي هذه التطورات بعد أن حقق المنتخب الإسباني تقدمًا في دوري الأمم الأوروبية، لكنه في الأثناء، كان السيسي يعقد اجتماعات مطولة مع وزراء المياه والطاقة في بلاده، بينما تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة التصدي لمخاطر السد الإثيوبي. وفقًا لوزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتافا، يعتبر دخول الاتفاقية حيز التنفيذ نجاحًا تاريخيًا لدول حوض النيل. لكن بالنسبة لمصر، الأمر يبدو مقلقًا للغاية، حيث تمثل الموارد المائية مصدر الحياة الرئيسي لنحو 100 مليون مواطن مصري. في تصريحات السيسي الأخيرة، أكد أن الحفاظ على نهر النيل هو "مسألة وجود" بالنسبة لمصر. وأشار إلى أن المياه تشكل أولويات الدولة، موضحًا أن نهر النيل يمثل المصدر الرئيسي للمياه في البلاد، حيث تعتمد مصر على هذه الموارد لأكثر من 98%. لكن السيسي، وعلى الرغم من تأكيداته، يواجه وضعًا يتسم بزيادة حدة التوترات مع أديس أبابا، حيث ترفض إثيوبيا الامتثال لمطالب القاهرة بشأن ملء السد وإدارته، مما يزيد من شعور السيسي بعدم القدرة على التعامل مع هذا الوضع المعقد. تمتد جذور المشكلة إلى سنوات عدة، حيث كانت مصر تسعى للتوصل إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم مع إثيوبيا والسودان حول كيفية ملء وتشغيل السد. ومع ذلك، ترفض أديس أبابا التوقيع على أي اتفاق قد يحد من حقوقها في استخدام المياه، مدعية أن السد يمثل أداة حيوية لتلبية احتياجاتها التنموية. يؤكد العديد من المحللين أن السيسي يشعر بقلة الحيلة في مواجهة هذا التحدي. فقد قدمت الحكومة المصرية طلبات عدة لمجلس الأمن الدولي لبحث القضية، لكن معظم هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة. وقد أبدت إثيوبيا استهزاءً واضحًا بالضغوط المصرية، مستمرة في عمليات ملء السد، الأمر الذي يعكس مدى التوتر بين الطرفين. وفي المقابل، أصدرت الحكومة المصرية بيانات رسمية تشدد على ضرورة إعادة اللحمة إلى مبادرة حوض النيل، والدعوة إلى عدم اتخاذ إجراءات أحادية تؤدي إلى تفاقم الصراع بين دول الحوض. لكن يبدو أن هذه الدعوات لم تحقق تأثيرًا كبيرًا، حيث تواصل إثيوبيا خطواتها الأحادية. تصاعدت حدة الخطاب المصري تجاه هذه القضية، حيث شدد السيسي على ضرورة دعم المجتمع الدولي لأفريقيا في مجال إدارة الموارد المائية. في ظل هذه الأجواء، يجد السيسي نفسه مضطرًا للدعوة إلى تحالفات جديدة مع دول الجوار، لكن تلك الجهود لا تزال بعيدة عن تحقيق الأمل في الوصول إلى حل دائم. في ظل تلك الظروف، يتساءل الكثيرون عما إذا كان السيسي قادرًا على اتخاذ خطوات ملموسة لحماية حقوق مصر المائية. وبالإضافة إلى القلق حول موارد المياه، هناك مخاوف متزايدة بشأن الأمن الغذائي، حيث أن أي نقص في المياه قد يؤثر بشكل مباشر على إنتاج الغذاء في البلاد، مما يزيد من حدة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. في ختام الأمر، يبقى أن نرى كيف ستتعامل الحكومة المصرية مع هذا الملف الشائك في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة. إن مسألة سد النهضة لم تعد مجرد قضية مياه، بل تحولت إلى أزمة وجود حقيقية تتطلب حلاً عاجلاً وفعّالاً قبل أن تصبح الأمور أكثر تعقيدًا.

