تعرض الاقتصاد المصري المتعثر في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى عدة ضربات مؤثرة، كان أبرزها تعرضه لضربة موجعة من جائحة كوفيد استمرت لسنتين متتاليتين، أعقبها تأثره الشديد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والارتفاع الكبير في كافة أسعار السلع، ثم كان خروج المستثمرين الأجانب بأكثر من عشرين مليار دولار من البلاد، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

 

465 مليار جنيه عقب الغزو الروسي لأوكرانيا

تكبدت حكومة الانقلاب نحو 465 مليار جنيه تأثيرات مباشرة وغير مباشرة منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مطلع شهر فبراير 2022.

وقال رئيس مجلس الوزراء لحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إن الاقتصاد المصري تكلف نحو 130 مليار جنيه تأثيرات مباشرة للأزمة الراهنة تمثلت في أسعار السلع الاستراتيجية والوقود بالإضافة إلى أسعار الفائدة والسياحة، وفقًا لـ"سكاي نيوز".

فيما تكبد الاقتصاد المصري فاتورة تقدر بنحو 335 مليار جنيه كتأثيرات غير مباشرة ممثلة في زيادة الأجور والمعاشات والحماية الاجتماعية بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية.

وسجلت واردات الحبوب القادمة إلى مصر من روسيا وأوكرانيا نحو 42% من إجمالي واردات مصر من الحبوب خلال عام 2021، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر و(روسيا /أوكرانيا) خلال العام نفسه نحو 4.4 مليارات دولار.

كما أن الأزمة لها تأثيراتها على إيرادات مصر من النقد الأجنبي من السياحة، فخلال الفترة من يوليو 2021 حتى يناير 2022 سجل حجم السائحين القادمين لمصر من روسيا وأوكرانيا نحو 31%، وبلغ عدد السائحين القادمين من روسيا إلى مصر خلال هذه الفترة نحو 1.1 مليون سائح، ونحو 794 ألف سائح أوكراني لمصر.

 

تعويم الجنيه

وتوقع تقرير حديث لوكالة رويترز امتصاص مدفوعات فوائد الدين العام أكثر من 40% من إيرادات الحكومة العام المقبل، واستمرار نقص العملة الأجنبية في البلاد مما يضر بالاستثمار والمستثمرين.

وعلى الرغم من ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بأكثر من 55% هذا العام، ما زالت الهوة واسعة بين سعر الصرف الرسمي في البنوك، التي لا تبيع لعملائها كل ما يرغبون في شرائه من الدولار، والبالغ 24.5 جنيهًا، والسعر في السوق الموازية، الذي يتجاوز 26 جنيهًا للدولار، بفارق يتجاوز 6%.

وتوقع التقرير أن الجنيه سيواصل الانهيار وربما يصل السعر إلى 28 جنيهًا مقابل الدولار قبل نهاية هذا العام، في إشارة إلى أسعار العقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDF، موضحةً أن بنك نومورا الياباني وضع مصر، في تقرير حديث له، على رأس قائمة الدول المعرضة لخطر كبير من جراء أزمة عملتها، وفقًا لـ "العربي الجديد".

 

الغرق في الديون

أضف إلى ذلك حزمة القروض التي تضخمت عدة مرات منذ تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2013، مما جعل مصر ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين. في المجموع، تدين مصر للمؤسسات متعددة الأطراف بنحو 52 مليار دولار. في السنوات العشر الماضية، ارتفع الدين الخارجي لمصر من 37 مليار دولار عام 2010 إلى ما يقرب من 158 مليار دولار في مارس، ويعتقد اقتصاديون أنه سيتجاوز 190 مليار دولار بحلول نهاية العام.

 

60% من المواطنين على أعتاب الفقر

دفعت الأوضاع المتأزمة للاقتصاد مديرة صندوق الدولي، كريستالينا غورغييفا، للتصريح بأن "أوضاع الاقتصاد المصري تتدهور، وهناك عدد كبير من الناس في مصر معرضون لأوضاع معيشية صعبة، وعلينا التأكد من استمرار توفير الحماية الاجتماعية التي تم تخصيصها للوصول إلى هؤلاء الأشخاص".

ونتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، تسعى حكومة الانقلاب إلى اتباع تدابير تقشفية على المدى القصير؛ ليس فقط استجابة لشروط صندوق النقد، ولكن لحاجة الحكومة المتواصلة لخفض الإنفاق العام في ظل معاناة العالم من موجة تضخم من المتوقع أن تستمر في المدى القصير. سينعكس هذا في استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية في مصر، وزيادة معاناة الأسر الفقيرة أو التي تقف على أعتاب الفقر، وهي شريحة تقترب من 60٪ من إجمالي سكان البلاد. لذلك، بات من غير المستبعد أن يفضي السخط الشعبي المتزايد إلى موجات احتجاج جديدة.

عسكرة الاقتصاد جزء من الأزمة

في أغسطس، قال باحثو هيومن رايتس ووتش إنه يجب إجبار القاهرة على تنفيذ إصلاحات هيكلية قبل تلقي أي حزمة إنقاذ. جادل عمرو مجدي وسارة سعدون بأن "التدخل العسكري القوي في الاقتصاد، المحمي من الرقابة المدنية"، هو جزء رئيس من مشاكل الحكم في البلاد. وأضافا: "إن مطالبة الحكومة مرة أخرى بخطة إنقاذ، بعد أن قام صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى بضخ الأموال في اقتصادها لسنوات، يوضح أنه حتى تُعالَج هذه المشكلات، فإن صندوق النقد الدولي يسكب الرمال في غربال"، وفقًا لـ"عربي بوست".

في مواجهة ضغوط من الكونجرس الأمريكي والجماعات الحقوقية، حجبت واشنطن في سبتمبر 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر. وبالنسبة لاستمرار أعمال القطاع الخاص، يلاحظ المراقبون أنه سيتعين على القاهرة تقليل احتكار الجيش. قدم السيسي تلك الوعود، بما في ذلك خصخصة الشركات المملوكة للدولة. بينما قالت ميريت مبروك، مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط: "لم يعد من الممكن أن تسير الأمور كالمعتاد".

 

التحديات تتزايد يوما بعد يوم

وبدوره قال خبير الاقتصاد والتشريعات المالية والضريبية الدكتور عمرو يوسف إن تحديات وطموحات عديدة تنتظر الاقتصاد المصري في الفترة المقبلة.

وقال يوسف في حديث لـRT أن "التحديات أمام الاقتصاد المصري تتزايد يوما بعد يوم، إذ يعيش مواجهة مباشرة وشرسة مع تحديات جسام، سواء كانت خارجية تتمثل في التضخم المستورد الذي بدأ بعد تحريك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، وما تبعه من إجراءات داخلية للحفاظ على الاستثمارات الأجنبية من الفرار للخارج، وأزمة أسعار الغذاء والطاقة عبر الصراع الروسي الأوكراني فضلا عن مواجهة الأمراض والأوبئة وجائحة كورونا التي امتدت طويلا بلا رحمة أو هوادة في ظل ضعف البنية الطبية والتي فرضت أولويات الاهتمام بالقطاع الطبي وتطويره".