وائل قنديل :

 

كنت، ومازلت، أرفض توجيه السهام ضد السعوديين، شعباً وحكومة، في موضوع بيع جزيرتي تيران وصنافير، ذلك أنه ليس على المشتري حرج، إذا وجد بائعاً رخيصاً يبيع بضاعة غالية بثمن بخس.
 
وقد حذّرت من ذلك مبكراً، منذ شهور طويلة، وقبل أن يوقع عبد الفتاح السيسي صك التفريط في الأرض، وقلت إن المعركة ليست مع المشتري الشاطر، وإنما مع البائع الخائب. وعلى ذلك، فإن استهداف الشعب السعودي بعباراتٍ وشتائم بذيئة ليس عملاً وطنياً، ولا سلوكاً إنسانياً محترماً، ناهيك عن أنه لن يحرّر الأرض، ولن يوقف الصفقة الحرام.
 
المعركة ينبغي أن تكون مع النظام الذي خان الذاكرة الوطنية وفرّط في الجغرافيا والتاريخ، على نحو ما ذهب إليه جمال عبد الناصر بعد عودته، مهزوماً، من حصار الفالوجا في فلسطين عقب نكبة 1948، حين أعلنها صريحة مع مجموعة من الضباط الشباب: الخطوة الأولى لتحرير فلسطين تبدأ بتحرير القاهرة والعواصم العربية من الاحتلال الأجنبي والفساد الداخلي.
 
وبالقياس ذاته، لا يمكن الحفاظ على الأرض، مادام حاكمها بائعا وسمسارا، ولن تستعاد المساحات المباعة قبل التخلص من البائع، وإلغاء صكوك التفريط وعقود الخيانة.
 
والحاصل أن الشعوب العربية هي الخاسرة، في ظل هذه الأجواء الخانقة التي يفرضها حكام يسلكون وكأنهم مجموعة من المغامرين، استولوا على مفاتيح الأوطان، ويقودونها مثل سيارات طائشة ويمرحون ويعربدون في الطرقات، فيدهسون بشراً ويدعسون قيماً وثوابت تاريخية وأخلاقية مستقرة.
 
وأكرّر أن الخسارة الأفدح هي استدعاء مخزون الشوفينية، والتخندق الشعوبي، لتشتعل "داحس وغبراء" فوق منصات "السوشيال ميديا" بين الشعبين، المصري والسعودي، لتتطاير في الأفق كل فيروسات العنجهية والعنصرية، وتنهمر سيول السباب والشتائم، على إثر استفزازٍ أخرق، من سفهاء السيسي، يضرب بفأس البذاءة في تربة التاريخ الزائف، فتنفجر آبار من البذاءة المضادة، بينما يجلس أفيخاي أدرعي على مكتبه راضياً، مبتسماً، مستمتعاً بصراع ديكة الشوفينية على الجانبين، حتى ظننت أنه سيغرّد "استهدوا بالله يا جماعة الخير".
 
وكما قلت سابقاً لمن يشعرون بالغضب، ويتألمون من بيع الجزيرتين: غضبك مشروع، وقضيتك عادلة، لكن مشكلتك ليست مع السعودية، أو الشعب السعودي. مشكلتك مع حاكم لم يؤدّ الأمانة، ولم يعرف للوطن، أو للدم، حرمة، ولم يُقِم اعتباراً للتاريخ والجغرافيا والوثائق وحكم القضاء وأبجدية الضمير الوطني.
 
مشكلتك ليست مع السعودية، وإنما مع الذين رخصوا مصر، وأصابوها بالإعاقة، فراحوا يدورون بها على موائد الجميع للتسوّل والابتزاز والتربح الحرام.
 
حريّ بك أن تستحضر ضميرك، وتستدعي من ذاكرتك مصر 2011، تلك التي أيقظت أبناءها وبناتها لصلاة فجر ثورتها على الظلم والتبعية والفساد والاستبداد، وتلقي إليهم ببطانيةٍ تغطيهم وتدفئهم، وتقارن بينها وبين مصر 2013 التي راحت تتسوّل شحنات البطاطين المستعملة، والملابس القديمة، من الخارج.
 
نعم، هو الفرق بين بطانيتين، بطانية الثورة التي كان كل المصريين يتنافسون على إحضارها لتدفئة ميادين غضبهم.. وبطانية الانقلاب التي راح الطبّالون والزمارون يتسولونها من ألد أعداء الثورة المصرية في أبو ظبي، والذين يقودون حاكمها الآن، ويحرّكونه في الاتجاه الذي يريدون.
 
أخيراً، ومجدّداً، معركتك ليست ضد السعودية، فقد وجدت من يبيع، فاشترت. قضيتك مع شخصٍ يسلك على طريقة التاجر الذي يبيع أي شيء، بأيّ ثمن، من دون أدنى اعتبار لقيم الحق والواجب، وضارباً مقتضيات الحلال والحرام عرض الحائط، مفترضاً أن الشعب سيصفّق له، كلما أخرج من أكمامه بعض الخبز والأموال.

 

 المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر