أ / نادر أحمد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

 

المسجد الأقصى أولى القبلتين ,

وثاني الحرمين , ومسرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

قال تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الإسراء : 1] ولذا من الواجب الشرعي العمل على تحريره من أيدي الصهاينة المغتصبين . كيف نستعيد بيت المقدس؟ للإجابة على هذا السؤال نشير إلى تجربة صلاح الدين الأيوبي التي دلت علي فهم عميق وتطبيق دقيق للمنهج الإسلامي في استرداد المقدسات ، فلقد وفقه الله لاسترداد بيت المقدس عام 583 هـ بعد أن احتله الصليبيون عام 492 هـ ، ولقد شرع صلاح الدين في إعداد الأمة لفترة طويلة بالعمل الجاد وبدفعها للتحول الحقيقي عن الباطل إلي الحق ، ونستطيع أن نلخص ما قام به صلاح الدين اعتباراً من تاريخ توليه القيادة في مصر سنة 564 هـ حتى واجه الصليبيين سنة 583 هـ كما يلي :


1) العودة بالأمة إلي منابع الشريعة الصافية عن طريق إحياء المذاهب السنية وإماتة البدع والعقائد الضالة ، وهو قد اعتمد مذهب التعليم لا المواجهة في هذا الجانب ( شخصية المعلم ) .


2) إصلاح اجتماعي حقيقي تمثل في رعاية كافة الفئات المحتاجة وتنمية روح المودة والتآخي بين جموع الشعب بكافة طوائفه ( شخصية المصلح الاجتماعي ) .


3) إصلاح سياسي شامل تمثل في اختيار أفضل الولاة لرعاية مصالح الناس مع تحديد خطط العمل لهم ( المصلح السياسي ) وكان من أشهر هؤلاء الولاة الأتقياء الأنقياء بهاء الدين قراقوش والي القاهرة الذي كان مثالاً للنزاهة والاستقامة ومراعاة مصالح الناس وإن حاولت الدعاية المضللة وصمه بغير تلك الصفات .


4) الحرص علي أن يرتبط الجسد بالرأس ، فلقد أعلن بعد موت العاضد آخر الخلفاء الفاطميين التحام مصر بدولة الخلافة العباسية في بغداد ، ولم يطلب منه أحد ذلك ولم يتوقع أحد حدوث ذلك ( دعاة الوحدة ) .


5) بث روح الجهاد بين جموع المسلمين ليس في مصر وحدها بل في كل البلدان الإسلامية ، ( التعريف برسالة الأمة ) ولهذا حينما أعلن تحركه سنة 578 هـ للسعي لاسترداد بيت المقدس اجتمع إليه آلاف الشباب من كل بقاع الأرض .


6) الحرص علي الاستعداد بكل ما يستطيع من وسائل القوة المادة كماً ونوعاً ، ولهذا ظهرت في عصره صور من الفنون القتالية والأسلحة التي لم تكن معروفة من قبل ( استثمار الإمكانات المتاحة ) .
الواجب على المسلمين : لقد حددت الآيات القرآنية ما ينبغي على المسلمين فعله ، إن هم أرادوا أن يكونوا تبعًا للدين فى ارتفاعه وسيادته وظهوره وانتشاره،


ويتلخص ذلك فيما يلي:

أولاً : استكمال الأوصاف التي وصف بها القرآن الكريم أمة الإسلام التي تستحق النصر والتمكين ،

وأهم تلك الصفات:

1 – رحمة المؤمنين تكون فيما بينهم وشدتهم تكون على الكافرين، كما حدثت آية سورة الفتح وآية سورة المائدة، ومن شأن هذه الصفة أن تجمع المؤمنين على قلب رجل واحد وأن تقرب المسافات بينهم، كما أنها تلقى مهابتهم فى قلوب أعدائهم، ولا ننسى أن أحد أسلحتنا فى معاركنا هو سلاح الرعب الذي يقذفه الله تعالى فى قلوب الأعداء.

2 – أمة الإسلام أمة روحانية، فهي ترتبط مع الله بعلاقة خاصة قوامها الحب والرغب والرهب، إنها الروحانية المرشدة وليست تلك التي تلغى عقل صاحبها ليتوه فى الخيالات والأوهام، فنحن نرى فارس النهار الذي لا يهتز له جفن وهو يعمل فى الأعداء قتلاً وتنكيلاً وكأن قلبه أشد قسوة من الحجر الصوان نراه يقوم الليل بين يدي ربه يناجيه ويبتهل إليه، ويبكى حتى تبتل لحيته من البكاء خشية لله رب العالمين، وهو إن وجد يتيمًا واساه، وإن وجد محرومًا أعطاه، وحين يأوي إلى أهل بيته كان كالعصفور فى القفص لا ترى منه إلا حنانًا ورقة.

3 – مع هذه الروحانية، فإن أمة الإسلام تسعى لامتلاك أسباب الحياة، لتجعل الدنيا بين يدي أبنائها، فهي إن كانت بين أيديهم سخروها لخدمة الدين، وإن لم تكن الدنيا بين أيديهم وكانت مع غيرهم استعبدنا هذا الغير بالدنيا وفرض علينا شروطه وإرادته، ولذا وجب عليها أن تسعى لامتلاك هذه الأسباب وترشيد استخدامها كما أمر الله ورسوله.

ثانياً: التخلص من أمراض الأمم السابقة وأشهرها حب المال وبخاصة في الأمراء والعلماء ، فهو الذي يدفع صاحبه إلى جمعه لا يبالى أمِن حلال أم من حرام؟ ثم هو يدفعه بعد ذلك لأن يحيط نفسه بالحاشية الظالمة لتأمين ماله ومصالحه، وإن كان الواجب على عامة الناس ألا يأكلوا أموال الناس بالباطل، فإن الأشد وجوبًا ألا يفعل ذلك القيادات العلمية والسياسية، بل يجب عليها التورع حتى فيما يباح للآخرين، وعادة فإن هؤلاء يرون في شرع الله تعطيلاً لرغباتهم فيسعون إلي محاربته لأنه يدعوا إلي إقامة الحق والعدل ، والصد عن سبيل الله من ذوى السلطان ضرره أعظم وخطره أشد، كمثل من يشرع بما يخالف تشريع الله، أو من يعطل شرعًا أمر به الله .

ثالثًا: تربية الأمة على التضحية والبذل أو ما يسمى بعبارة أخرى التربية الجهادية ، فهي سلاح الأمة لرد العدوان ودفع الذل عن المسلمين وهى وسيلة هامة ولازمة للتمكين، كما أنه مدار حب الله ومغفرته والفوز برضوانه، أما شغل الناس ببطونها وشهواتها فهذا سبيل الحيوانات التي لا عقل لها ولا رسالة، وذلك وجه الشبه بين الكافرين والأنعام ، ( يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) .


خطة عمل خاصة لاسترداد بيت المقدس


1 – ترسيخ إيمان الفرد المسلم بأن قضية القدس قضية عقدية مرتبطة بالنصوص الشرعية، وليست صراعًا جغرافيًا على رقعة من الأرض، وبالتالي فمحاولة نزع الصبغة الدينية عن الصراع الدائر عليها خيانة شرعية، ومن الأمور المخزية أنه فى الوقت الذي يعلن الصهاينة سيطرتهم على الأماكن المقدسة من منطلق ديني لديهم نحاول نحن إقصاء الدين عن القضية.


2 – ترسيخ إيمان الفرد المسلم بعدم جواز التنازل لليهود الغاصبين عن أي جزء من أرض فلسطين، فهي بكاملها من جملة الأراضي المسلمة التي يجب على كافة المسلمين العمل على تحريرها، أما دعاة سياسة الأمر الواقع فمطلبهم مرفوض فنحن لا نعترف بالمغتصب حتى وإن طالت فترة اغتصابه للأرض، وإن قال بعضهم فماذا فى أيدينا لنعمله غير الذي نفعله؟ أجبناهم: لم نطالبكم بعمل شيء، فقط عليكم أن تتركوا الراية مرفوعة لتتسلمها الأجيال المقبلة، أما التوقيع بالتنازل عن أي شبر من أرض فلسطين فهي خيانة ومصادرة لحق الأجيال المقبلة فى المطالبة بها.


3 – المشاركة في أي عمل من الأعمال المتاحة وفقًا للظروف الراهنة كلون من ألوان والإعداد لما قد يفرض علينا في المستقبل القريب،
ومن ذلك المشاركة بالكلمة وتوجيه الرأي العام لليقين بعدالة القضية، ومن ذلك أيضًا التبرع بالمال من خلال القنوات الرسمية المتاحة ، وعدم إتاحة الفرصة للمغتصب ليهنأ باغتصابه عن طريق مقاطعته وحصاره ، وبالجملة كل ما من شأنه أن يخدم القضية فهو من جملة الوسائل الجهادية المأمور بها شرعًا.


4 – تربية الأبناء على حب الجهاد فى سبيل الله بصفة عامة، وعلى الرغبة فى تحرير بيت المقدس بصفة خاصة، وتلقين الصغار المعنى الشرعي للعداوة الذي ذكره القرآن الكريم، حيث أخبر عن أشد الناس عداوة لنا وهم اليهود ومعهم الذين أشركوا.


5 – التأكيد على أن قوة المجتمع المسلم تكمن أساسًا فى سلامة بنيته الاجتماعية ( الترابط الأسرى ) ومدى عمق العلاقات بين المسلم وأخيه المسلم (التآخي فى الله )، وعلي رأس أولويات المسلمين في هذه المرحلة أن يتداعى أبناء هذا الدين للتوحد تحت رايته ، وهذا التوحد أصبح ضرورة للبقاء في ظل توحد الدنيا خلف بني صهيون ، وهاقد بدأت بشائر الدعوة للوحدة الإسلامية عبر ثورات الشعوب العربية والإسلامية .


6 – الدول المسلمة أمام تحد خطير تفرضه الظروف الراهنة، وفى هذا المأزق لن يكون إلى جوارها إلا المخلصين من أبنائها، فالواجب على الحكومات أن تغير نظرتها حيال أبناء شعبها، فليس من المعقول أبدًا فى هذا الوضع أن يكون المسلم الملتزم محل اتهام، بينما غيره الذي لا يصلح لأي من الأعمال الجادة هو المواطن الصالح فى نظر بعض الحكومات.


7 – سعى الفرد والأمة لامتلاك كافة أسباب القوة المادية والروحية التي تحتاجها الأمة فى كافة مجالات الحياة ومنها المعارك الحربية والسياسية والاقتصادية التي تضطر أمة الإسلام للدخول فيها.