في حادثة صادمة هزت أرجاء قرية الحجيرات بمركز دشنا في محافظة قنا، لقي موظف الأوقاف السابق محمد إبراهيم محمد أحمد (62 عامًا) مصرعه برصاص قوات الشرطة خلال حملة أمنية موسعة نفذتها السلطات في 13 مايو 2025. الحادثة، التي أودت بحياة الطفل يوسف محمود عبد الرحمن (8 سنوات) وعمه حسن عبد الرحمن (28 عامًا)، أثارت موجة غضب واستنكار واسعة، وسط اتهامات للداخلية بارتكاب تصفية جسدية خارج إطار القانون، استنادًا إلى اتهامات واهية لا تستند إلى أدلة ملموسة، بحسب ما وثقته "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".

 

تفاصيل الحادثة: مأساة في قلب الحجيرات
وفقًا لبيان صادر عن "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، وقعت الحادثة أثناء حملة أمنية استهدفت – بحسب بيان الداخلية – "عناصر إجرامية خطيرة" في قرية الحجيرات. لكن الرواية الرسمية سرعان ما أثارت الجدل بعد أن تبين أن الضحايا الثلاثة، وهم محمد إبراهيم، ويوسف محمود، وحسن عبد الرحمن، ليسوا من "تجار المخدرات والسلاح" كما زعمت الشرطة، بل مواطنون عاديون لم يثبت ضدهم أي نشاط إجرامي.

محمد إبراهيم، الذي قضى أكثر من 30 عامًا في خدمة وزارة الأوقاف، كان عائدًا إلى قريته بعد شراء تبن للمواشي عندما تصادف مروره مع اقتحام قوات الأمن للمنطقة. بحسب شهادات الأهالي التي جمعتها الشبكة، تعرض محمد لإطلاق نار كثيف أودى بحياته على الفور. وفي الوقت ذاته، لقي الطفل يوسف وعمه حسن مصرعهما أثناء وجودهما على جرار زراعي بالقرب من منزلهما، في مشهد مروع أثار ذهول سكان القرية.

 

اتهامات واهية ومحضر قديم
ما زاد من حدة الغضب هو استناد الداخلية إلى محضر قديم يعود إلى عام 2002 لتبرير اتهام محمد إبراهيم بتجارة المخدرات والسلاح. اللافت أن هذا المحضر لم يترتب عليه أي حكم قضائي طوال أكثر من عقدين، مما يثير تساؤلات حول مدى قانونية استخدامه لتبرير القتل. كما أن بطاقة الهوية التي كانت بحوزة محمد إبراهيم وقت وفاته تثبت أنه موظف أوقاف سابق، بينما وصفته الداخلية بـ"العاطل"، في محاولة لتشويه صورته، وفقًا للشبكة.

الأهالي أكدوا أن محمد إبراهيم كان شخصية محترمة في القرية، معروفًا بدوره في المجالس العرفية لحل النزاعات، ولم يُعرف عنه أي ارتباط بتجارة السلاح أو المخدرات. وفي سياق متصل، أشارت شهادات إلى أن حسن عبد الرحمن، الذي كان عائدًا لتوه من عمله في السعودية، والطفل يوسف، لم يكن لهما أي صلة بالنشاطات الإجرامية التي زعمت الداخلية استهدافها.

 

تساؤلات حول الحملة الأمنية
الحملة الأمنية نفسها أثارت العديد من التساؤلات. بحسب مصادر محلية، فإن تجار المخدرات الحقيقيين تمكنوا من الفرار إلى الأراضي الزراعية المجاورة، وسط أنباء عن تلقيهم معلومات مسبقة عن موعد المداهمة. هذا الأمر دفع البعض إلى التشكيك في كفاءة التخطيط الأمني، وما إذا كانت الحملة قد استهدفت بالفعل العناصر الإجرامية أم أنها أدت إلى استهداف مواطنين أبرياء بشكل عشوائي.

"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" وصفت الحادثة بأنها جزء من "نمط متكرر" من التصفيات الجسدية التي تنفذها قوات الأمن بحق مواطنين، يتبعها تلفيق اتهامات دون أدلة موثوقة. وأشارت إلى أن هذه المنهجية تعكس غياب المساءلة والشفافية، مما يفاقم من أزمة الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية.

 

مطالبات بالتحقيق ومحاسبة المتورطين
في ضوء هذه التجاوزات، دعت "الشبكة المصرية" النائب العام والنيابة العامة إلى فتح تحقيق عاجل للوقوف على ملابسات الحادثة، ومحاسبة المتورطين في قتل الضحايا الثلاثة، كما طالبت برفع الظلم عن القتلى من خلال تبرئتهم من الاتهامات الملفقة، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب التي تتكرر في مثل هذه القضايا.

وأكدت الشبكة على ضرورة إعادة النظر في الإجراءات الأمنية المتبعة خلال الحملات، لضمان عدم استهداف مواطنين أبرياء، وضرورة الالتزام بالشفافية في التحقيقات لاستعادة ثقة المواطنين في الأجهزة الأمنية.

 

ردود فعل المجتمع المحلي
الحادثة تركت ندوبًا عميقة في نفوس أهالي قرية الحجيرات، حيث تجمع المئات أمام منازل الضحايا لتقديم واجب العزاء، وسط حالة من الحزن والغضب، وأعرب العديد من السكان عن استيائهم من الرواية الرسمية، مؤكدين أن الضحايا كانوا أشخاصًا مسالمين ومعروفين بحسن سيرتهم.

أحد أقارب محمد إبراهيم، الذي رفض الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام، قال: "محمد كان رجلًا طيبًا، قضى حياته في خدمة المجتمع، كيف يمكن أن يتحول فجأة إلى تاجر مخدرات؟ هذه اتهامات ظالمة ولا أساس لها". وأضاف: "نطالب بتحقيق عادل يكشف الحقيقة ويعيد لنا كرامة الضحايا".