بقلم - د. فتحي أبو الورد :
كلمة حق .. لدى سلطان عادل وإخوان صدق
سمعت كثيرا وناقشت كثيرا آراء وانتقادات من بعض الشباب والكبار ، لقيادات المرحلة فى جماعة الإخوان المسلمين ، تعيب عليها التخبط ، وغياب الرؤيا ، والتأخر فى اتخاذ القرارات ، وعدم وجود خطة واضحة واستراتيجية معلنة لإنهاء الانقلاب ، حتى غالى البعض وقال : يجب أن تتنحى هذه القيادات ، بل وتحاسب وتحاكم على ما أوصلتنا إليه لأنها لم تكن أهلا لإدارة المرحلة .
ومنهم من عاب على الرئيس المختطف سوء أدائه ، وضعف إدارته ، حتى إن البعض قال : أنا أدعو عليه لأنه هو الذى أوصلنا لما نحن فيه .
وبعض من عاب على الإخوان فى مصر ذلك امتدح إخوان حماس فى غزة ، وبعض من انتقد إخوان اليمن حين لم يواجهوا الحوثيين وسقطت صنعاء فى أيديهم ، امتدح إخوان تونس على تفويت الفرصة على المتربصين بالتيار الإسلامى والثورة حين تخلوا عن الحكومة ، ثم حين حلوا فى المرتبة الثانية فى الانتخابات الأخيرة.. وسيمتدح آخرون مواقف هنا ويعيبون مواقف هناك .
وقد يعلو صوت الانتقاد أثناء النقاش على صوت المناقشة الموضوعية المنصفة ، ويصبح الاندفاع والاتهام متفوقا على الحوار الهادئ المثمر ..
والذى لا أتشكك فيه برهة هو أن هؤلاء وأولئك ينطلقون - بصدق - من حبهم لدعوتهم وغيرتهم عليها ، ورجائهم لخيرها ، وقصدهم لدوائها ، وسعيهم لعافيتها .
وكما نحب أن نخوض التجربة لنتعلم نحب كذلك الاستفادة من خبرات المجربين السابقين ، وهذا يسمى الجمع بين الخبرة المباشرة وغير المباشرة ، وكما نحتاج إلى حماسة الشباب نحتاج إلى حكمة الشيوخ .
ولى وقفات إزاء هذا أعرضها - بكل تجرد – لله ثم للتاريخ وللحق والإنصاف ، غير راغب ولاراهب ، ولست مبررا أو متحاملا ، كما أننى لن أدافع عن خطأ ، وكذلك لن أجلد مجتهدا اجتهد فأخطأ حال ثبت خطؤه ، ولن أضعف أمام صوت الشباب الحماسى فأميل إليه على حساب ما أعتقد أنه الحق ، كما أننى لا أعفى القيادات التى قصرت ولم تعترف بخطئها .
أولا : تقاس الأمور كلية ، وتقيم التجارب وفق نظرة شاملة عامة ، ينظر فيها إلى جوانب الصواب فنحمد الله عليها ، وينظر فيها إلى جوانب التقصير والخلل لكى نتجنبها مستقبلا ونستفيد من التجربة .وإذا كانت الإيجابيات أكثر من السلبيات ، والنجاحات أكثر من الإخفاقات ، فهذا دليل صحة ، ومؤشر عافية ، ومن زاد فضله على نقصه وهب نقصه لفضله ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ، وقديما قال الشاعر :
من ذا الذى ترضى سجاياه كلها .. كفى المرء نبلا أن تعد معايبه .
ثانيا : كل شىء يحدث فى ملك الله وكونه بعلمه ، ووفق مشيئته ، ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
ثالثا : قد تحمل المحنة فى طياتها المنحة ، والبلية فى ثناياها العطية ، وما يدرينا لعل يوما يأتى فنقول ويقول من بعدنا : اليوم تجلت لنا حكمة الله فيما حدث ، وأن الانقلاب كان ظاهره العذاب وباطنه فيه الرحمة ، وما كان يوم أكثر خير وبركة على الدعوة والدولة من يوم فض رابعة والنهضة ، فى الوقت الذى كان أيضا أشد يوم وأصعبه فى حياة رجالات الدعوة والدولة وأسرهم ، وكل المؤمنين بالحرية والمؤيدين للشرعية.
رابعا :أكثر مسائل السياسة الشرعية اجتهادية ، وهى تعرف بفقه إدارة الدولة ، أو الأحكام السلطانية أو الفقه السياسى الإسلامى أو فقه الراعى والرعية ، وهو فقه جديد الممارسة على الجماعة ورجالاتها وهم فى موقع السلطة ، وكذلك فإن شباب الدعوة حديثو عهد بالعلم بهذا الفقه، وقد تتعدد الرؤى وتختلف وجهات النظر تجاه الحدث الواحد، وليس مع أى من أصحاب الرؤية الواحدة التى تتبنى موقفا معينا أى دليل قطعى على صحة رؤيتهم وصواب موقفهم ، ولكل رأى حجته ووجاهته وكما قال أبو حامد الغزالى : أكثر مسائل الإمامة وأحكامها مسائل فقهية يحكم فيها بموجب الرأى الأغلب ..
ويعتمد هذا الفقه فى مجمله على قواعد كلية وأصول عامة دون أن تكون هناك نصوص جزئية تفصيلية كثيرة توضح الحكم فى كل حادثة ، والذين يجتهدون فى باب السياسة الشرعية ، يتغيون المصلحة العامة ويتوخون النفع العام ، فى ضوء عدة قواعد فقهية منها : تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، والأمور بمقاصدها ، وارتكاب أخف الضررين ، وتفويت أعظم الشرين ، وتحصيل أعلى المصلحتين وتفويت أدناهما ، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص ، والموازنة بين المصالح والمفاسد وبين المصالح بعضها البعض ، وبين المفاسد بعضها وبعض ، والنظر إلى المآلات والمصائر والعواقب ، وترتيب الأولويات فى مسيرة الإصلاح والتغيير فى ضوء مايعرف بفقه الأولويات والتدرج ، وسد الذرائع وفتحها ، وغير ذلك من القواعد .. يمارس هذا وفق معطيات صحيحة وحقائق ماثلة ، وواقع واضح ، ومعلومات موثقة وأكيدة لا مجرد أخبار وشائعات وتحليلات . وهذه بطبيعة الحال لا تتوفر لفرد مهما كانت قدراته ، ولكنها تكون معلومة لدى صناع القرار والمخولين بمتابعة الملفات الخاصة والذين تصب لديهم وتتجمع عندهم كافة المعلومات فى إطار المؤسسية والجماعية .
فلماذ – أيها الحبيب المخالف - تعيب علىّ أننى أخذت برأيى الاجتهادى ومن وافقنى من الأكثرية وتريد أن تحملنى على رأيك الاجتهادى دون أن يكون لك دليل قطعى بالطبع على صحة رأيك وإلا لما كانت المسألة اجتهادية، حتى وإن ظهر بعد ذلك أن رأيك كان الأصوب؟ لماذا يعتبر المخالفون رأيهم أولى بالصواب من غيرهم ؟ لماذا نفترض فى رأينا الصواب المطلق وفى رأى غيرنا الخطأ المطلق ؟ ألم نتعلم من الإمام الشافعى فى قضايا الاجتهاد حين كان يقول : رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب . أما أبو حنيفة رضى الله عنه فقد كان يقول عن رأيه فى المسائل الاجتهادية : هذا أفضل ماقدرنا عليه فمن جاءنا بأفضل منه فهو أولى بالاتباع .
لاتحاسبنى على اجتهاد رأيته واتبعت فيه آليات اتخاذ القرار الصحيح وفق أصول الشرع فى قضايا الاجتهاد ووفق أدبيات الجماعة ونظامها الداخلى ولوائحها، لأن المسألة لو كانت واضحة للجميع منذ البداية ، والصواب فيها قطعيا حينما عرضت لما اختلفت فيها الأنظار وتعددت فيها الرؤى ، لأن القطعى لا يعطى إلا دلالة واحدة كما يقول الأصوليون ، وما حادثة أسرى بدر منا ببعيدة ...حيث رأى عمر وسعد بن معاذ رأيا فى قضية اجتهادية ووافقهما البعض ، ورأى النبى صلى الله عليه وسلم رأيا آخر ومعه أبو بكر ووافقه البعض ثم نزل القرآن الكريم يؤيد رأى عمر ومن وافقه ( ما كان لنيى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض .... لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) الأنفال 67 . قال المفسرون فى ذلك : هو أن الله لا يأخذ قوما فعلوا أشياء بجهالة وأنه لا يؤاخذ المجتهد إذا أخطأ فى اجتهاده.
خامسا : غياب الطرف الآخر الذى نحاكمه ونحاسبه ونكيل له الاتهامات ، والذى من حقه أن يرد عن نفسه ويذكر حجته ويوضح ماغاب عنا وعَلِمه هو، فإما اقتنعنا برأيه وعذرناه ، وإما لم نقتنع فخطأناه وقومناه ، مع حسن ظننا به أنه لم يتعمد الخطأ . ومادام القرار صدر عن شورى ولم يكن أحد فيه منفردا برأيه فلا حرج ولا يُتهم أحد ، فأين هم قيادات الجماعة الآن حتى نسمع منهم ، ونناقشهم ؟ وأين هو الرئيس المختطف حتى يظهر لنا ماغاب عنا ، ويظهر لنا مافى جعبته وهو كثير ، ويوضح لنا وللشعب مبررات مواقفه وقراراته ؟، ولماذا لم يسرع فى خطوات الإصلاح ؟ ولماذا لم يتبع نهجا ثوريا فى التخلص من الفاسدين فى الجيش والشرطة والقضاء والإعلام ؟. ولماذا تقدمت الجماعة للترشح للرئاسة رغم إعلانها من قبل أنها لن تخوض معركة الرئاسة رغم توقعنا لخطورة هذا القرار؟ وهل كان هذا أخطر أم ترك الساحة للعسكر من البداية وإعادة العسكر الرئاسة لأحد منتسبيهم أمام الجماهير عبرالصندوق وإرادة الشعب وكأن ثورة لم تقم ، وهوماكان يمثله أحمد شفيق ؟
وهل كان هذا سيغنى من قدر الله تعالى شيئا ؟ ومن يستطيع أن يقطع بأن المسار الآخر - الذى كان يؤيد عدم ترشيح رئيس منا- إذا سلكناه كان سيؤدى إلى نتائج أفضل مما آلت إليه الأمور اليوم ؟ وهل كان هذا سيغير من نقمة العسكر وتبييتهم نية الانتقام من الإسلاميين والأحرار المعارضين لهم شيئا ؟ وهل منا من يظن أنهم يمكن أن يكونوا رحماء بالشعب الذى كاد أن يسقطهم فى 25 يناير ممثلا فى شخص زعيمهم الظالم مبارك لولا خديعتهم التى لجؤوا إليها .؟ وهل كان هذا أنسب أم ندخل الانتخابات ويظهر العسكر على حقيقتهم أمام الشعب أنهم لن يقبلوا بالديمقراطية وأنهم حلفاء الأمريكان ضد شعبهم بعد أن أوهموا الشعب أنهم حماة الثورة ، وكتبوا على أتوبيسات القوات المسلحة .. 25 يناير.. ثورة شعب حماها الجيش !!.وهل هذا أنسب أم يفهم الشعب أن الحائل بينه وبين الحرية والديمقراطية هم أولئك العسكر ومن يعطونهم الأوامر من أسيادهم بالخارج رغم الجراح والدماء والآلام ؟..وهل كان من الأفضل أن يصل العسكر مرة أخرى إلى الحكم وينجح عن طريق الرشى الانتخابية وشراء الذمم والتزوير الناعم وطبع بطاقات متعددة لأتباعهم ليصوتوا بها فى أماكن متعددة عبر صناديق الانتخاب كما حدث مع مرشحهم أحمد شفيق ؟ أم ندخل أمامهم معترك الرئاسة ونكسب ثقة الشعب ونفوز ثم لا يجدون مفرا - بعد التخفى والتصنع أمام الشعب أنهم حماة الثورة - إلا أن يظهروا وجههم القبيح ويسفروا عن حقيقة موقفهم من الثورة بانقلاب دموى خشن ، يعرف من خلاله القاصى والدانى أنهم انقلابيون دمويون ، فيكرههم الشعب وتكون التضحيات هى ثمن إظهار الحقيقة وصداق إعادة الوعى لمن غاب عنهم أو غيبوا عنه ؟ ولا مفر فى كل الأحوال من المواجهة والتضحية إن عاجلا أو آجلا ..
سادسا : بعض الناس لا يطلب توضيخا للأحداث ، أواستفسارا عن المواقف التى وقعت ، وذكر المعلومات التى فى ضوئها اتخذت قرارات وتحددت مسارات ، لا يطلب ذلك رغم غياب كثير من المعلومات عنه ، بل هو فكر وقدر ، وقيم وقرر ، أن الإخوان مخطئون فيما أقدموا عليه ، وأن الرئيس فشل فى إدارته ويجب عليه وعليهم الاعتراف بالخطأ ، والتسليم بالفشل وتسليم الراية واعتزال المشهد ، دون أن يسلك طريق الإنصاف وأن يقف موقف العدل فى الحكم على الأشياء والأشخاص ..وهؤلاء مهما حاولت أن توضح لهم لن يقتنعوا لأنهم قرروا واقتنعوا بما هم عليه حتى أصبح اعتقادا لا يتزعزع وإذا كان البعض لن يستريح إلا أن يعلن الإخوان أنهم أخطئوا فيما أصابوا فيه وفيما أخطئوا فلا أراحهم الله ، فهذا ليس من العدل ولا من الإنصاف فى شىء .. لقد أعلن الرئيس أن مسيرته كانت فيها أخطاء ، لابد من تصحيحها ، لكن ليس معنى ذلك أن مسيرته كانت كلها أخطاء ، وأعلن الإخوان أن هناك أخطاء وقعوا فيها ولكن ليس معنى ذلك أن مواقفهم كلها كانت خاطئة .. وللأسف نجد من يتأثر بهذه النظرة الشمولية فى التخطيئ من بعض أبناء الجماعة ويتبنى وجهة نظر غير موضوعية وغير منصفة فى الحكم على الأمور والأشياء والأشخاص.
سابعا : ضعف التواصل بين القيادة والأفراد – وإن كان هذا بدأ يتحسن ويرجع لسابق عهده - ، والذى كان من شأنه أن يزيل اللبس أولا بأول ، ويرفع الغبش فى الرؤية مبكرا ، وهذا بسبب الوضع الأمنى القاسى الذى تعيشه القيادة خاصة والجماعة على وجه العموم . ونحن نرى أن قيادات الجماعة – كما هم أفرادها – مابين معتقل أو شهيد أو طريد أو فار بدينه خارج وطنه، وليس من المروءة فى شىء أن نجلد من هو فى هذه الحال بحق - قبل أن يكون ذلك بجهل أو سوء ظن أو غياب معلومة – فنرميه - جزافا - بالضعف أو عدم الحكمة أو سوء الإدارة أو تسفيه العقل .
ثامنا : العودة لما تربينا عليه سنين عديدة فى محاضن التربية والتكوين من حتمية الصراع بين الحق والباطل وأبدية المعركة بينهما إلى قيام الساعة ، والعلم بطبيعة الطريق ، وأن الباطل قد ينتفش ويستعلى جولة ، ويعود الأمر فينتصر الحق ويعلو جولات ، والأيام دول " وتلك الأيام نداولها بين الناس" ، ودوام الحال من المحال ، كما أن انتفاش الباطل فى صولة وهزيمتنا فى جولة لا يعنى ذلك أننا أخطأنا الطريق ، أو حدنا عن السبيل ، بل يقينا نعرف أن هذه طبيعة الطريق ، وأن الله تعالى يصطفى منا شهداء ، ويبتلىنا بمكر الأعداء ، لتخلص النفوس لربها ، وتتعلق القلوب ببارئها ، ويتأهل الصف – وهو على خير حال – لنصرة السماء .. وفى مسيرة الدولة الإسلامية الأولى لم ينج النبى صلى الله عليه وسلم من الابتلاء ونيل الأعداء ، وما واقعة أحد منا ببعيدة ، حيث نال الأعداء من النبى صلى الله عليه وسلم فشج وجهه وكسرت رباعيته ، ووقعت بالمسلمين مقتلة عظيمة ، وجراح أليمة ، رغم أنه صلى الله عليه وسلم اجتهد وأخذ بالأسباب وتشاور مع أصحابه فى الخروج لملاقاة قريش ، ونزل على رأى الأكثرية وفق آليات اتخاذ القرار والذى كان رأى الشباب ومن لم يشهد بدرا ، والكثرة أقوى مسالك الترجيح كما يقول الأصوليون، ومع ذلك كان ماكان ، ولم يمر الدرس دون أن يتعلم منه الجميع ، وكان درسا عمليا بليغا فى حياة الصحابة ، وكانت أحد جولة من جولات الحق مع الباطل ، ولم تكن نهاية المطاف ، ولا نهاية الصراع ، بل كانت هناك جولات وإعدادات انتهت بفتح مكة وتسليم مفاتيح الكعبة للنبى صلى الله عليه وسلم .
تاسعا : لينتبه كل منا إلى أقواله وأفعاله وحديثه حتى لا يقع فى محظور شرعى ، ولنا فيما حدث فى غزوة الخندق عبرة وعظة ، حين تكالب الأعداء واجتمعت الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين ومحوهم من على ظهر الأرض كما يراد بنا اليوم ، وكانت محنة ، وكان ابتلاء شديدا عبر عنه القرآن فقال " هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا " الأحزاب 11، وكان يوما عصيبا فى حياة صاحب الرسالة وصحابته ، وفى مسيرة الدعوة وسيرتها ، وانقسم الناس قسمين ، وانطلقت الألسنة تترجم عما فى الصدور : فقال بعضهم " هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " الأحزاب 22، وقال البعض الآخر " ماوعدنا الله ورسوله إلا غرورا " الأحزاب 12 .
ولا ننسى أن الباطل يمكر ويخطط ، ويضع لنا العقبات والمعوقات فى الطريق ، وله دول ومؤسسات ومنظمات دولية تدعمه وتؤيده ، وأدواته المادية لاستحواذ القوة أكبر من قدراتنا ، وجرأته على سفك الدماء واعتقال الأبرياء وسلب الأموال واغتصاب الأعراض معلومة للقاصى والدانى لأنه لا تحكمه أخلاق ولا ينطلق من مبادئ ، ولا يعتد بقوانين ، كما أن الخاضعين له من العملاء من أبناء جلدتنا الذين يمثلون طابورا خامسا ، وطعنة فى ظهورنا ، موجودون بكثرة فى الإعلام والقضاء بل وفى عموم الناس .
عاشرا : أما من يقول إن الجماعة ليس لديها استراتيجية واضحة ، لكسر الانقلاب ، فنقول له : من أعلمك بهذا ؟ وإذا كنت لا تعرف فهل معنى ذلك أن الجماعة ليس لديها خطة ؟ ومنذ متى كان يعرف كل فرد من أفراد الصف كل شىء داخل الجماعة قبل الثورة وبعد الثورة ؟ وهل المفروض إذا كان للجماعة استراتيجية لكسر الانقلاب أن تعلنها على الملأ ، ويعلم بها الانقلابيون حتى يتحصنوا ضدها ويحبطوا ما نفكر فيه ؟ ثم إن مسألة وجود تخطيط ووضع سيناريوهات للتعامل مع الانقلاب لكسره إنما هى فى نهاية المطاف جهود البشر ، ويبقى تأييد الله ونصره فى الوقت الذى يحدده سبحانه ، لا الذى نختاره ونتمناه نحن لحكمة يعلمها هو سبحانه .. وإذا كانت الطريقة التى نسير بها اليوم لا تروق للبعض ولا تعجبه فما هى الطريقة التى تمثل العلاج الناجع والسر الباتع والحل المضمون لكسر الانقلاب ؟ وهل من حقنا أن نخالف فى الرأى من رأى رأيا لم يرق لنا ولم نسترح له أيضا ؟ أم أنه سيصادر على حقنا فى التفكير ويغلق علينا باب التعبير عن الرأى؟ واجب الجميع أن يسدد المسيرة بالرأى والنصح ، ولايبخل بالاقتراح والفكرة فى أدب جم ، وتواضع شديد ، حبا لمصلحة الأمة وخوفا على مستقبلها ..
حادى عشر: ضرورة أن تستفيد الجماعة مما حدث ، وضرورة إشراك الرأى العام فى قضاياها ، حتى تنجلى الأمور أمام الشعب فى معركة الوعى ، ولا ينخدع الناس بالباطل بصمتنا ، وتقييم مسألة ما يعرض على الملأ وما ينبغى أن يعرفه العامة ، وما ينبغى أن يحاط به أبناء الدعوة علما ، ..وما هى المساحة المعرفية التى تظل حبيسة الصدور لدى القيادة لأن كثيرا من الأمور والقضايا أصبحت معروضة على الملأ ، ووسائل التواصل بين الناس أصبحت سهلة ومنتشرة ونسمع فيها كلاما من هنا وهناك ، ، دون أن نسمع ردا واضحا أو إزالة شبهة من قيادة الجماعة ، معتمدين على ما تدارسناه فى ركن الثقة من أركان البيعة بين القيادة والجندية .
ثانى عشر: إن مما يدعونا للفخر والعزة أن قيادات الجماعة والرئيس المختطف أصبحوا رموزا للحق والقوة والصبر ، وغدوا مضرب المثل فى الثبات على المبدأ ، وعنوانا لعشاق الحرية ، وأعلاما إذا تناول الناس الحديث عن التضحية فى خضم دياجير هذه المحنة ، فلم تلن لهم قناة ، ولم يضعف لهم عزم ، ولم يفت فى عضدهم السجن ، ولم يخذلوا أبناء الدعوة وشباب الحركة بتأييد ظالم ، أو التنازل لمستبد ، وسيسجل التاريخ هذا لهم فى صحاف من نور، ومن قبل سيسجل لهم عند من صبروا واحتملوا واحتسبوا من أجله ، ومن عجبٍ أن يشيد رؤساء دول وزعماء دوليون ورموز سياسية بهم وبمواقفهم ، ثم لا ينصفهم أبناء جلدتهم ، بل وبعض أبناء الحركة .
ثالث عشر: لا شك أن هناك قيادات وسطى أو صغرى أو حتى عليا أساءت فى بعض التصرفات ، أو قصرت فى حق بعض الأفراد ، أو عرضت رأيها الشخصى على أنه رأى الجماعة فى بعض القضايا ، أو أهملت فى توضيح الرؤيا وكشف اللبس أمام من ورائها من أفراد الجماعة ، أو أى شىء مما شابه ذلك ، وهذا خطأ لا يعفى منه من صدر عنه وتجب مراجعته متى صحت نسبة ذلك إليه ، ولكن هذا لا يعنى أن نحمل الجماعة أخطاء بعض أفرادها ، وهذا لا يعنى – أيضا - أن هذا جرم كبير لا يغتفر وإلا فما فائدة معرفتنا أننا بشر نصيب ونخطىء ونحسن ونسيئ ، وأن العصمة للنبى والكمال لله العلى ، وأن كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون؟ وماذا يعنى ماكنا نتربى عليه من بشرية العمل الجماعى وليس ملائكية العمل الجماعى؟ ولا يوجد عمل بلا خطأ ، ولا يوجد إنسان بلا أخطاء ، ومن أراد أميرا كأبى بكر وعمر فليكن مثل عثمان وعلى وطلحة والزبير .. نقر بوجود أخطاء ومخطئين ، ونقر بأن المؤسسة الجماعية قد وقعت فى بعض الأخطاء ولكن ليس معنى ذلك أنها تعمدت الوقوع فى الخطأ ، أو أن هناك جماعة أخرى بلا أخطاء ، ومن وجد هذه الجماعة فليدلنا عليها حتى نلتحق بها فهى أولى ببذل الجهد معها ، ومواصلة السير فى ركابها ..
رابع عشر: كل أهل قطر هم أدرى وأعلم بظروفهم وأحوالهم ، وكثيرا ما نسمع من الناس الحكمة القائلة : أهل مكة أدرى بشعابها .ولا أدرى كيف يستسيغ قارئ للأخبار والأحداث على صفحات المواقع الإخبارية تخطيئ الإخوان فى اليمن ، وتسفيه أحلامهم ، دون أن يكون لديه حقائق موثقة ومعلومات مؤكدة عن حقيقة وخبايا مايجرى على الساحة اليمنية ؟.ولماذا يفسر البعض بأن تراجع خطوة يعنى الاستسلام ، ولا يفسر على أنه تفاد لشر محقق وتفويت لضررأكبر، وتخطيط لإدارة المعركة من جبهة أخرى ؟ أذكر أن أحد قيادت الإخوان باليمن قال : كشف المؤامرة أمام الشعب يعد نصف النصر - أى كشف مؤامرة تواطؤ الجيش وعبد ربه منصور مع الحوثيين ضد الإخوان - .. وكثيرا ما امتدحنا مواقف ثم بعد فترة من الزمن عبناها ، وكثيرا ما صححنا خطوات ثم بعد ذلك خطأناها ، وليس معنى ذلك أننا لا نخطئ ، بل معناه أننا لابد أن نعرف أن الاجتهادات قد لا يعرف صوابها من خطئها فورا وفى وقتها ، بل يمكن أن نعرف ذلك فيما بعد ، وقد يتمسك كل صاحب رأى برأيه ويمضى إلى خالقه ثم يكون الحكم للأجيال التالية بعد أن تكون الأمور قد انكشفت على حقيقتها ، والحقائق أعلنت عن نفسها .. ولا أدل على ذلك مما حدث بين الصحابة فى القتال الذى دار بين على ومعاوية رضى الله عنهما ، فقد كانت القضية اجتهادية ، وانقسم الصحابة بين مؤيد لعلى ومؤيد لمعاوية ومنهم من لم يتبين وجه الصواب فوسعه الاعتزال مثل سعد بن أبى وقاص ، ومحمد بن مسلمة ... ومضوا جميعا إلى ربهم - المؤيد والمعارض والمعتزل - على اجتهاداتهم ونياتهم ، ثم جاء من بعدهم حين تكشفت لهم الأمور، واتضحت المواقف بجلاء فرأوا أن موقف على كان أرشد وأسد وأصح من موقف معاوية - رضى الله عنهما - ، بدليل أن معاوية لم يستطع أن يفعل ما كان يطالب به عليا باعتباره خليفة ، بعد أن آلت إليه الخلافة والملك وهو القصاص من قتلة عثمان لنفس العلة التى رآها على رضى الله عنه .
وقد رأيت من امتدح الإخوان فى تونس بالأمس يعيبون عليهم اليوم ، ومن عابوا على الإخوان فى اليمن بالأمس يمتدحونهم اليوم .
كما أن هناك ما يعرف برصيد التجربة والخبرة الإنسانية والاستفادة من الأحداث ، ومعرفة كيف يخطط لنا عدونا وكيف يمكربنا فى ظل مسيرة الوقائع، فقد رأينا خطورة قرار تسليح الثورات ، كما حدث فى سوريا ، فمن العبث والجهالة أن نكرر نفس السيناريو فى مصر كما يريد لنا العدو أن نسلك ، وقد رأينا كيف انقلب العسكر بتأييد الليبراليين والعلمانيين على الديمقراطية والانتخابات فى مصر، ومن الخطا أن نكرر نفس السيناريو فى تونس ، فمن الحكمة والاستفادة من التجارب أن نفوت على العدو خطته ومكره ، ريثما تتهيأ الأوضاع لجولة أخرى نكون فيها أكثر استعدادا وقوة لمواجهة الباطل.
خامس عشر : عندما يمن الله علينا بالنصر ، وينكسر الانقلاب ، وتنزاح هذه الغمة سأكون أول من ينادى بإبعاد من لا يصلح فى إدارة الدولة أو الدعوة عن المناصب القيادية بعيدا عن العواطف ، ومن حق الجميع أن ينصح ويقوم وينتقد ويحاسب، ولكن وقتها إن شاء الله سيكون الوضع مختلفا ، أما اليوم فإننا نضيع جهودنا فى غير مكانها ولن يترتب على انتقادنا أو حتى المطالبة بمحاسبة المقصرين - كما قال البعض - عمل ، وأولى من ذلك أن نوحد جهودنا ونوفر طاقاتنا لدحر هذا الانقلاب وبعدها يكون كل شىء هينا ، أما إذا بقى الانقلاب – لاقدر الله - فلن يسمع لنا ولا لقيادتنا صوت ..
" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " يوسف 21