يخرج ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ليُطلق بيانًا «توضيحيًا» حول صفقة الغاز مع إسرائيل، لكنه لا يوضح شيئًا ولا ينفي سوى ما يعرفه الجميع: أن النظام المصري بات شريكًا اقتصاديًا أساسيًا لدولة الاحتلال.
يتحدث رشوان عن «عدم وجود أبعاد سياسية»، وكأن الأنابيب التي تنقل الغاز المصري إلى إسرائيل تمر في فراغ، وكأن المصانع التي تسيّل الغاز الإسرائيلي على الأرض المصرية لا تخدم جيش الاحتلال الذي يقصف غزة.
إنه ليس «توضيحًا» بل تبرير مفضوح لسياسة التطبيع الممنهج التي يُنفذها النظام منذ سنوات، ومحاولة بائسة لإقناع شعب بأن خدمة الاحتلال «مصلحة وطنية».
الغاز المصري.. هدية مجانية لجيش الاحتلال
يزعم رشوان أن الصفقة «تصب في مصلحة مصر»، لكنه يتجاهل السؤال البسيط: من يضمن أمن هذه الصفقة؟ الإجابة هي إسرائيل نفسها.
فكل خط أنابيب، كل منشأة تسييل، كل عقد تصدير، يُوقع تحت حماية أمنية إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة.
والأخطر أن الغاز المصري يُباع لإسرائيل بأسعار تفضيلية، بينما يُحرم الشعب المصري من استخدامه لتوليد الكهرباء أو دعم الصناعة.
والآن، في ظل حرب إسرائيل على غزة، يُعلن عن الصفقة كأنها «نجاح دبلوماسي»، متجاهلين أن نفس الغاز سيشغل المصانع الإسرائيلية التي تنتج الذخيرة التي تقتل الأطفال في غزة.
إنه ليس تطبيعًا اقتصاديًا فحسب، بل هو تمويل مباشر لآلة الحرب الإسرائيلية باسم «الاستخدام الأمثل للبنية التحتية».
غزة.. حصار مصري قبل أن يكون إسرائيليًا
يتحدث رشوان عن «رفض التهجير» و«دعم الشعب الفلسطيني»، لكنه يتناسى أن حصار غزة لم يكن ممكنًا لولا الإغلاق المصري الكامل لمعبر رفح منذ 2013.
فمصر لم تغلق المعبر فحسب، بل دمرت الأنفاق، ومنعت دخول الأدوية والوقود والغذاء، وصادرت المعدات الطبية بحجة «الأمن القومي».
وفي الوقت نفسه، فتحت قناة السويس على مصراعيها للسفن الإسرائيلية، ومنحتها إعفاءات جمركية، وسهلت مرور البضائع الإسرائيلية إلى الأردن ودول الخليج.
إنه ليس «موقفًا سياسيًا» بل مشاركة فعلية في الحصار. فأي «دعم» هذا الذي يترك أهل غزة يموتون جوعًا ومرضًا بينما تُهرّب لإسرائيل كل ما تحتاجه؟ إنها سياسة تجويع ممنهجة لغزة وتخدير للرأي العام المصري.
السيسي.. خازن إسرائيل في المنطقة
إذا كان رشوان يريد «توضيح الحقائق»، فالحقيقة هي أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لم يكن مجرد «شريك اقتصادي» لإسرائيل، بل كان «الرجل الذي فتح خزائن مصر» لها. فمنذ 2014، وقعت مصر اتفاقيات تزويد إسرائيل بالغاز بأسعار متدنية، وسمحت بإنشاء خط أنابيب «إيلات-أشكلون»، ومنحت الشركات الإسرائيلية حقوق استثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
والأخطر أن مصر قدمت «الإعفاءات الجمركية» و«الامتيازات اللوجستية» التي لم تُمنح لأي دولة عربية. فالسفن الإسرائيلية تمر عبر القناة بأسعار مخفضة، والبضائع الإسرائيلية تُعفى من الرسوم، والشركات الإسرائيلية تُمنح أراضٍ بأسعار رمزية.
وفي المقابل، أغلق معبر رفح، ومنع دخول الأدوية إلى غزة، وصادر المعدات الطبية. إنها ليست «صفقات تجارية»، بل تنازلات استراتيجية تُقدم لإسرائيل على طبق من فضة، والسيسي أصبح «خازن إسرائيل» في المنطقة، يُدير خزائن مصر لصالح الاحتلال ويُغلق أبوابها في وجه الفلسطينيين.

