يشهد المشهد السوداني تعقيداً متزايداً ينذر بإطالة أمد الصراع، حيث اصطدمت الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب بحائط مسدود، وسط فشل ذريع لمحاولات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

 

وأمام تمسك كل طرف بمواقفه العسكرية والسياسية، باتت فرص الجلوس إلى طاولة المفاوضات "شبه مستحيلة" رغم الضغوط المتواصلة من الوسطاء الدوليين والإقليميين. هذا الانسداد السياسي يتزامن مع تطورات ميدانية واستخباراتية خطيرة، وأزمة إنسانية توصف بأنها الأسوأ عالمياً، مما يضع مستقبل البلاد على المحك.

 

الجيش ينفي الانسحاب: حرب شائعات في جنوب كردفان

 

في خضم المعارك العسكرية، برزت حرب من نوع آخر تتمثل في حرب المعلومات والشائعات. فقد نفت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، في بيان رسمي حازم، صحة الأنباء المتداولة حول وجود اتفاق سري مع "الحركة الشعبية" يقضي بانسحاب الجيش من مدينتي الدلنج وكادوقلي الاستراتيجيتين في جنوب كردفان.

 

وأكدت القوات المسلحة أن وحداتها لا تزال ثابتة في مواقعها الميدانية وتعمل وفق الخطط العملياتية المعتمدة، معتبرة أن ترويج مثل هذه المعلومات يهدف إلى "زعزعة الأمن والاستقرار وإرباك المواطنين" في تلك المناطق الحساسة. ودعت القيادة العامة وسائل الإعلام والرأي العام إلى توخي الحذر وعدم الانجرار خلف ما وصفته بالمصادر غير الموثوقة، في إشارة إلى محاولات التأثير النفسي على الحاضنة الشعبية والجنود في الميدان.

 

تقرير استخباراتي أمريكي: التدخلات الخارجية وقود الحرب

 

على الصعيد الدولي، كشف اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي الأمريكي عن معطيات استخباراتية خطيرة قد تغير مسار التعامل الدولي مع الأزمة. فقد أقرت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بشكل غير مسبوق بوجود "تدخلات خارجية مباشرة" تساهم في تغذية الصراع عبر تقديم دعم عسكري ولوجستي لأحد الأطراف المتحاربة، دون تسمية هذا الطرف صراحة في التسريبات.

 

اللافت في التقييم الاستخباراتي هو الإشارة إلى سقف زمني محدد؛ حيث ترى الوكالة إمكانية تحقيق تقدم ملموس لإنهاء الحرب خلال "3 أشهر فقط"، شريطة أن ينجح المجتمع الدولي في وقف هذه التدخلات وتوحيد الضغوط. هذا الاعتراف الأمريكي يعزز السردية المتداولة في الداخل السوداني حول تحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية تسعى لفرض أجنداتها عبر فوهة البندقية.

 

الجوع يحاصر الملايين: أزمة الغذاء وتخفيض الحصص

 

وبعيداً عن دهاليز السياسة، يدفع المدنيون الثمن الأبهظ لهذا الصراع. فقد أعلن برنامج الأغذية العالمي (WFP) عن قرار مؤلم باضطراره لخفض حصص الغذاء المقدمة للمجتمعات التي تواجه خطر المجاعة، عازياً ذلك إلى نقص التمويل العالمي وتراجع اهتمام المانحين بالأزمة السودانية.

 

ووفقاً لبيانات البرنامج، يواجه نحو 18 مليون سوداني حالياً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع وجود بؤر محاصرة في دارفور، والخرطوم، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق. وحذر البرنامج من تفاقم معدلات سوء التغذية، خاصة بين النساء والأطفال، داعياً لتدخل مالي عاجل لمنع انزلاق البلاد نحو كارثة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها.

 

فضاء رقمي مفتوح وتوتر دبلوماسي مع طهران

 

في تطور مثير للجدل على الصعيد الإعلامي، قررت شركة "ميتا" (فيسبوك) رفع الحظر الذي كان مفروضاً على المحتوى المتعلق بقوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي). وبينما يرى البعض في الخطوة تعزيزاً للشفافية وتوثيقاً للأحداث، ينتقدها آخرون باعتبارها تمنح مساحة لانتشار سرديات طرف متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة، مما قد يؤثر على الرأي العام.

 

توازياً مع ذلك، دخلت العلاقات السودانية-الإيرانية نفقاً مظلماً بعد إعلان طهران طرد دبلوماسي سوداني ومنحه مهلة 72 ساعة للمغادرة. ويرجح مراقبون أن هذا التصعيد الدبلوماسي يعكس غضب طهران من مواقف حكومية سودانية محددة، ويشير إلى أن تشابكات الحرب السودانية بدأت تفرز اصطفافات إقليمية جديدة قد تزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي للخرطوم في الفترة المقبلة.