في تصريحات صحفية ذكّر القيادي بحزب المحافظين إيهاب الخولي بأنه حصد في الجولة الأولى أكثر من 22 ألف صوت، قبل أن يصدر ما سُمّي بـ«فيتو االسيسي» وإعادة الانتخابات، ثم ينتهي به الحال إلى 1311 صوتًا فقط، في نفس الدائرة ونفس المزاج الاجتماعي، خلال أسابيع معدودة. هذا الفارق ليس مجرد «تذبذب طبيعي» في اختيارات الناخبين، بل علامة على أن الخريطة أعيد رسمها قسرًا في الكواليس، وأن ما جرى في الإعادة أقرب إلى توزيع مقاعد مسبقًا منه إلى سباق حقيقي.
حين يقول: «اسألوا الهيئة الوطنية عن الفرق»، فهو عمليًا يضع الجهة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في موقع المتهم، لا الحكم، خاصة وهو يذكّر أيضًا بأصوات 2015 (أكثر من 23 ألف صوت) ويتساءل أين اختفت هذه الكتلة الضخمة فجأة، بينما تصعد موجة مرشحين آخرين في نفس اللحظة. هذا لا يعني إلا شيئًا واحدًا: أن الصندوق في جمهورية الانقلاب لا يعكس ما في الشارع، بل ما تقرره موازين القوة والمال والأجهزة.
إحالة الجميع للكسب غير المشروع: استغاثة من داخل بيت النظام
في لحظة لافتة، يطالب الخولي السيسي بأن يُحال كل من خاض انتخابات منذ 2010 إلى الكسب غير المشروع، للتحقيق في مصادر الثروات والفجوة المالية التي ظهرت بوضوح في هذا السباق. هذه ليست جملة من معارض يساري أو إسلامي، بل من قيادي في حزب محسوب على «الدولة الوطنية»، ما يعني أن الشك في نظافة الملعب بات يأتي من داخل الدائرة التي يدّعي النظام أنها «مستفيدة من الاستقرار».
إذا كان مرشح ليبرالي يعلن أنه فكر – ساخرًا/مريرًا – في الحصول هو الآخر على «كرتونة و200 جنيه» حتى يستطيع مجاراة ما يحدث في الشارع، فهذه شهادة دامغة على أن العملية الانتخابية انزلقت إلى مستوى السوق المفتوح، حيث يصبح صوت المواطن سلعة تُشترى، لا تعبيرًا عن إرادة حرّة أو برنامج سياسي.
مستقبل وطن، القوائم، وهندسة البرلمان على مقاس السلطة
الخولي يكشف أيضًا تكتيك الحزب الأبرز في معسكر السلطة: مرشح رسمي باسم «مستقبل وطن» ومعه اثنان «مستقلان» كانوا في الحزب، بحيث يضمن الحزب في كل الأحوال مقاعد الدائرة عبر توزيع الأدوار، بينما يُترك الآخرون يتصارعون على الفتات. هذه الهندسة الحزبية لا يمكن أن تمر دون ضوء أخضر من الدولة، خاصة مع قانون القوائم المطلقة الذي حوّل جزءًا واسعًا من البرلمان إلى شبه «تعيين» سياسي لا منافسة حقيقية فيه.
رفض حزب المحافظين الدخول في القوائم وقبوله بالمواجهة الفردية كشف له – باعتراف الخولي نفسه – أن الباب مفتوح للأقوى مالًا، لا للأقوى برنامجًا أو حضورًا شعبيًا، وأن منطق «ادفع أكثر تحصد أكثر» هو الذي يحكم، بينما تتحول القائمة النسبية – التي طالب بها – إلى الحل الوحيد الموضوعي لتقليل نفوذ المال، وهو ما يرفضه نظام الانقلاب لأنه يفتح الباب لتمثيل حقيقي لمعارضة وأحزاب مستقلة.
إمبابة نموذجًا: عزوف، مال، وتيار ليبرالي بلا أرض
الخولي يعترف بأن نسب المشاركة في الإعادة تراجعت لأن الناس لم تعد تتحرك إلا مقابل المال، وأن الهالة الدعائية والصرف الضخم جعلا المواطن يرى التصويت جزءًا من «البيزنس» لا من الفعل السياسي. هذا المشهد يتقاطع مع تقارير أخرى رصدت ضعف الإقبال وشراء الأصوات في جولات إعادة سابقة بالجيزة، ما يعمّق أزمة الشرعية الشعبية لكل ما يخرج من هذه الصناديق.
في المقابل، يتحدث عن «الطريق الحر» وتحالف ليبرالي جديد، لكن الاعترافات ذاتها تقول إن أي تيار ليبرالي أو مدني حقيقي يظل بلا أرض فعلية في ظل خريطة تُرسم من القصر، ويُنفّذها رأس المال، وتُغطيها هيئة انتخابات ووزارة داخلية، ليبقى البرلمان القادم مجرد واجهة ملوّثة لسلطة لا تحتمل منافسة جادة، حتى من بعض من يحسبون أنفسهم داخل معسكرها.

