في جريمة جديدة تضيف إلى سجل الإهمال القاتل في مدارس "ستيم" التابعة لوزارة التربية والتعليم، وافته المنية الطالب أدهم بالصف الأول الثانوي بمدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا في بني سويف، بعد إصرار إدارة المدرسة على حضوره الامتحانات رغم مرضه الشديد، وعزلَه في غرفة غير مجهزة، وتجاهل تدهور حالته حتى أصبح قريبًا من الموت الإكلينيكي. والد الطالب المكلوم يصرخ: "ياريتني ما كنت وديته ستيم"، موجهًا إصبعه اتهامًا مباشرًا لإدارة المدرسة بالقتل بسبب الإهمال، في ظل غياب رعاية صحية حقيقية وأكل ملوث وحشرات في الطعام، بينما تكتفي الحكومة بشعارات "التطوير" و"المتفوقين" فوق جثث الأطفال.

 

فوفاة أدهم في مدرسة المتفوقين STEM ليست حادثًا عابرًا، بل شهادة دامغة على منظومة تعليم تُعرِّض أبناءها للخطر بدل أن تحميهم. ما تكشفه شهادات والده وزملائه صرخة مباشرة ضد إهمال رسمي وصحي يتغذّى على غياب المحاسبة في ظل حكم الانقلاب.

 

أهمال وعدم وجود رعاية صحية وأكل ملوث بمدارس ستيم

 

أدهم يعود مريضًا من مدرسة يفترض أنها لصفوة طلاب مصر في العلوم والتكنولوجيا، فيُعامل كرقم في كشف حضور وامتحان، لا كإنسان يحتاج إلى رعاية عاجلة. الأب يطلب إجازة مرضية وإعادة امتحانات، فتجبره الإدارة عمليًا على إرسال ابنه للمدرسة، ملوّحة بورقة "الغياب" بدل أن تتحرك بورقة "الطوارئ الطبية".

 

النتيجة أن طالبًا دخل المدرسة على قدميه، بحسب والده، خرج منها شبه جثة في حالة قريبة من الموت الإكلينيكي، بعد يوم كامل بين إصرار على الامتحان، وعزل في غرفة غير مؤهلة، وتشخيص سطحي بـ"دور برد" ودواء مع مشروب غازي، في واحدة من أكثر صور الاستخفاف بحياة التلاميذ فجاجة.

 

مدرسة متفوقين بلا طب ولا إسعاف

 

قصة أدهم تكشف أن مدرسة STEM في بني سويف، رغم كونها داخلية وتابعة مباشرة لوزارة التعليم، لا تمتلك منظومة حقيقية للطوارئ أو بروتوكولًا محترمًا للتعامل مع الحالات الحرجة. الإدارة تصر على حضور الطالب المريض للامتحان، ثم تتركه يتدهور في غرفة عزل غير مجهزة، قبل أن تُلقي بالمسئولية على الأب بتوقيع "إقرار استلام" لإخلاء طرفها الإداري.

 

الوالد نفسه يعترف أنه قال للإدارة إنه غير قادر على رعايته بحكم أن المدرسة الداخلية يفترض أن تكون مجهزة طبيًّا، ومع ذلك أصرت المدرسة على حضوره ثم تخلت عنه في اللحظة التي تحوّلت فيها الحالة من تعب عابر إلى خطر حقيقي على الحياة، في نموذج صارخ لثقافة "إمضِ على إقرار وامشِ" التي تتعامل بها مؤسسات الدولة مع المواطنين.

 

سكن داخلي ملوث وغذاء لا يليق بالبشر

 

شهادات الطلاب وأولياء الأمور لا تتوقف عند مأساة أدهم، بل ترسم صورة كاملة عن سكن داخلي غير آدمي: سوء تغذية، حشرات في الطعام، ضعف نظافة عامّة، وغياب رعاية صحية جادة، مع نقل أكثر من طالب للمستشفى خلال فترة قصيرة. مدرسة يُفترض أنها نموذج للتميز العلمي تتحول إلى بؤرة محتملة لانتشار أمراض خطيرة كالتهاب السحايا والدرن وتلوث الدم، طبقًا لما تداوله زملاء أدهم عن تشخيصات حالتِه وحالات أخرى.

 

عزل طالب مريض في غرفة غير مهيأة، ثم اكتشاف إصابته باشتباه التهاب سحائي بعد أن يغادر المدرسة في وضع حرج، يعني أن حياة بقية الطلاب أيضًا وُضعت على المحك دون شفافية، وأن إدارة المدرسة ووزارة التعليم تعاملتا مع المدرسة كـ"مبنى" لا كمنظومة بشرية تحتاج طب وقاية وتعقيم ورقابة مستمرة.

 

رد رسمي يبرئ الإدارة ويشكّك في ألم الضحايا

 

رد مديرية التعليم في بني سويف جاء على الطريقة المعتادة: تشخيص مبدئي "التهاب رئوي فقط"، نفي وجود التهاب سحائي، تأكيد اتخاذ "الإجراءات الوقائية المتعارف عليها"، وتطمين بأن الأوضاع "آمنة ومطمئنة". كل هذا بينما الأب يتهم إدارة المدرسة بالإهمال، والطلاب يروون أن زميلهم كان يطلب العودة للبيت فتُجبره الامتحانات على البقاء، وأن العزل تم في غرفة غير مجهزة، وأن الاتصالات بالأهل لم تتم إلا بعد وصول الحالة لمرحلة الانهيار.

 

هذا التضاد بين رواية الأسرة والطلاب من جهة، ورواية المديرية من جهة أخرى، يكشف النمط نفسه: سلطة تعليمية تدافع عن المؤسسة قبل أن تبحث عن الحقيقة، تحرص على سمعة المدرسة قبل أن تحرص على أرواح الطلبة، وتستخدم لغة باردة عن "الإجراءات" في مواجهة دمعة أب يقول "مش هسيب حق ابني" وطلاب يصرخون أن ما حدث جرس إنذار لا يمكن تجاهله.

 

حكومة الانقلاب ومسئولية منظومة تقتل المتفوقين بالإهمال

 

مدارس STEM ليست مدرسة حكومية عادية في قرية مهمشة؛ هذه واجهة "الجمهورية الجديدة" في ملف التعليم، وإذا كان هذا مستوى الرعاية الصحية والغذاء والبيئة الداخلية في قمة الهرم، فكيف يبدو القاع في آلاف المدارس الأخرى؟ حكومة تنفق المليارات على طرق وعواصم جديدة، وتعجز عن توفير طاقم طبي ثابت، وغرف عزل مجهزة، وغذاء آدمى في مدارس المتفوقين، تتحمل مسئولية مباشرة عن كل روح تضيع تحت شعار "الإجراءات المتبعة".

 

استغاثات طلاب وأولياء أمور STEM، ومطالبهم بلجنة تحقيق وفحص طبي شامل وتعقيم ومحاسبة المقصّرين، ليست رفاهية، بل أقل ما يجب بعد كارثة وفاة طالب شاب كان كل ذنبه أنه التحق بمدرسة يفترض أن تصنع قادة المستقبل. هذا النمط من الإهمال المتكرر في الصحة والتعليم والخدمات العامة هو بالضبط ما تعكسه موادك السياسية الناقدة عن تدهور الدولة في ظل حكم الانقلاب.