أعادت إحدى عشرة منظمة حقوقية دولية ومصرية، عشية الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 2025، تسليط الضوء على ما وصفته بـ"التدهور المستمر والمقلق" في وضع الحريات والحقوق الأساسية داخل مصر.
وجاءت هذه التحذيرات في بيانات مشتركة ومنفصلة، حملت نبرة أكثر وضوحًا وحزمًا تجاه ما تعتبره المنظمات نمطًا ممتدًا من الانتهاكات الجسيمة، وسط دعوات للمجتمع الدولي إلى تجاوز حدود الإدانة اللفظية واتخاذ خطوات فعّالة.
حبس احتياطي مطوّل واتساع دائرة الاستهداف السياسي
في بيان مشترك، عبّرت المنظمات الإحدى عشرة عن قلقها من استمرار اعتماد السلطات على الحبس الاحتياطي كأداة عقابية، بدلًا من كونه إجراءً قانونيًا استثنائيًا.
وأشارت التقارير الحقوقية إلى بقاء الآلاف من المعارضين السياسيين رهن الاحتجاز لفترات قد تصل إلى سنوات دون محاكمات فعلية تضمن شروط العدالة، ما يحرم المحتجزين من حقوقهم الأساسية في المثول أمام قضاء عادل ومستقل.
ولم يتوقف الانتقاد عند حدود الحبس المطوَّل، بل امتد ليشمل ما وصفته المنظمات بتوسّع دائرة الاستهداف لتشمل نساء وفتيات، لمجرّد التعبير السلمي عن آرائهن أو لارتباطهن بأقارب معارضين سياسيًا. هذا التطور، بحسب البيانات، يكشف عن تحول مقلق في منهج التعامل مع المعارضة، ويبرهن على تضاؤل المساحات المتاحة للنشاط المدني والسياسي.
أحكام إعدام جماعية وتقارير عن التعذيب
أبرزت المنظمات الحقوقية كذلك قلقها من صدور أحكام إعدام جماعية في محاكمات تفتقر إلى الحد الأدنى من الضمانات القانونية. وترافق ذلك مع تقارير متزايدة عن ممارسات التعذيب وسوء المعاملة داخل السجون وأماكن الاحتجاز، وحرمان المحتجزين من الرعاية الصحية والزيارات، ما أدى إلى تفاقم أوضاعهم الإنسانية وتدهور حالتهم الصحية في عدد من الحالات.
وتشير شهادات جمعيات حقوقية إلى أن التضييق يتجاوز حدود القضايا السياسية، ليطال الحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وسط تصاعد معدلات الفقر وتدهور الخدمات الأساسية وتراجع حقوق العمال بشكل لافت.
قلق حقوقي محلي: غياب الإصلاحات واستمرار القيود
وفي السياق ذاته، أكدت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن الوضع الحقوقي في مصر يشهد تراجعًا إضافيًا خلال الفترة الأخيرة، محذّرة من غياب أي خطوات جادة للإصلاح.
وأوضح مديرها التنفيذي والمحامي شريف هلالي أن هذا التراجع تزامن مع تمرير تعديلات موسّعة على قانون الإجراءات الجنائية، وهي تعديلات أثارت انتقادات واسعة لما تحمله من مساس بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع وعلانية الجلسات.
وسلطت المؤسسة الضوء على استمرار ممارسة "إعادة تدوير" المحتجزين في قضايا جديدة بعد انتهاء مدة حبسهم، ما اعتبرته التفافًا على القانون لإبقائهم رهن الاحتجاز. وترافقت هذه الممارسات، بحسب التقرير، مع قيود واسعة على حرية الرأي والتعبير، وحملات توقيف طاولت صحافيين ونشطاء، إلى جانب حجب مئات المواقع الإخبارية والحقوقية واستمرار القيود على الحق في التظاهر والعمل المدني.
سجون حديثة بممارسات قديمة: بدر ووادي النطرون في الواجهة
رصدت المؤسسة العربية أيضًا تدهورًا ملحوظًا في الأوضاع داخل عدد من السجون الحديثة، ومنها بدر 1 و2 و3 ووادي النطرون. وعلى الرغم من حداثة هذه المرافق، أشارت التقارير إلى تصاعد الإضرابات داخلها احتجاجًا على سوء الرعاية الصحية، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الإهمال الطبي، إلى جانب تقييد الزيارات وحرمان المحتجزين من التواصل مع محاميهم وتكدس الزنازين وسوء التهوية.
وتحدثت تقارير حقوقية عن حالات وفاة وقعت نتيجة التعذيب في بعض مقار الاحتجاز، في ظل غياب المساءلة وغياب قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء.
نداءات عاجلة للمجتمع الدولي
في ختام بياناتها، طالبت المنظمات الحقوقية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والهيئات الإقليمية بتصعيد الضغط من أجل وقف الانتهاكات وضمان حماية المدنيين. وشددت على ضرورة الانتقال من إصدار "بيانات القلق" إلى اتخاذ خطوات عملية، بما يشمل:
- الإفراج عن المحتجزين تعسفيًا وسجناء الرأي.
- ضمان حماية المحتجزين من التعذيب ومحاسبة المتورطين.
- رفع القيود عن حرية التعبير والتنظيم.
- وقف الملاحقات القانونية للنشطاء والصحافيين.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية دون عوائق.
- دعوة الحكومتين المصرية والتونسية للالتزام بتعهداتهما الحقوقية الدولية.
منظمات موقّعة تؤكد استمرار الرصد
وشملت قائمة المنظمات الموقعة على البيان:
إفدي الدولية (بلجيكا)، جمعية ضحايا التعذيب (جنيف)، عدالة لحقوق الإنسان (تركيا)، تواصل لحقوق الإنسان (هولندا)، سيدار لحقوق الإنسان (لبنان)، صوت حر لحقوق الإنسان (باريس)، مركز الشهاب لحقوق الإنسان (لندن)، مجلس حقوق المصريين (جنيف)، الكرامة لحقوق الإنسان (جنيف)، التضامن لحقوق الإنسان (جنيف)، وهيومن رايتس مونيتور (لندن).
وأكدت هذه المنظمات استمرارها في رصد الانتهاكات، وتوثيق الحالات، ومساندة الضحايا، والدفع نحو احترام مبادئ حقوق الإنسان، باعتبارها مسؤولية دولية وأخلاقية لا تنفصل عن الاستقرار المجتمعي وسيادة القانون.

