لا زال الجدل يتفاعل حول القرار بإعادة التصويت في 19 دائرة انتخابية على المقاعد الفردي، بناءً على الطعون المقدمة من المرشحين، وعقب بيان قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بشأن الأحداث في بعض الدوائر، ودعوته الهيئة الوطنية للانتخابات إلى عدم التردد في الإلغاء الكامل للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.
جاء القرار عقب شكوى من مرشحين على المقاعد الفردية من حدوث مخالفات في حصر وفرز الأصوات في بعض الدوائر مما أثر على نتائج الانتخابات التي تنظمها الهيئة الوطنية للانتخابات، وفتح الباب أمام الطعن في شرعية البرلمان المقبل.
وفي حين طالب العديد من المراقبين بالاستجابة لمقترح السيسي بالإلغاء الكامل لنتائج انتخابات المرحلة الأولى التي جرت في 14 محافظة، هي: الجيزة، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، والوادي الجديد، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، والإسكندرية، والبحيرة، ومرسى مطروح، إلا أن الهيئة اكتفت بإلغاء الانتخابات في 19 من دوائر المرحلة الأولى، أو ما يقرب من ثلث الدوائر فقط.
نادى القضاة: القضاء لم يُشرفوا على الانتخابات
على الرغم من الإشارة إلى أن الانتخابات جرت تحت إشراف قضائي كامل، إلا أن المفاجأة كانت في إصدار نادي القضاة بيانًا قال فيه إن القضاة وأعضاء النيابة العامة لم يتولوا الإشراف على الانتخابات البرلمانية لعام 2025.
وأوضح أن ذلك يأتي التزامًا بما نص عليه الدستور من عدم مشاركة القضاة فى الإشراف على الاستحقاقات الانتخابية إلا فى حدود ما يقرره القانون. فيما أكد مشاركة أعضاء هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة "فى إطار خدمة الوطن وتحمل المسؤولية الوطنية فى تلك المرحلة".
انتهاء مدة الإشراف القضائي
وتعد انتخابات مجلس النواب أول تطبيق عملي لانتهاء مدة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بعد انقضاء المدة المحددة في دستور 2014، في 17 يناير 2024.
وكان دستور 1971 ينص في المادة 88 على إشراف أعضاء الهيئات القضائية على الاقتراع والفرز .
وأتاحت المادة 210 من الدستور الحالي، الذي بدأ العمل به في 18 يناير 2014 لـ"الهيئة الوطنية للانتخابات" إجراء "الاقتراع والفرز في الانتخابات والاستفتاءات التي تجرى في السنوات العشر التالية، لتاريخ العمل بالدستور، تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية".
ونص الدستور على تشكيل "هيئة وطنية مستقلة للانتخابات" تختص بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، ويقوم على إدارتها مجلس مكون من 10 أعضاء، يتم انتدابهم كليًا، من بين نواب رؤساء الجهات والهيئات القضائية.
ونصت المادة 34 من قانون "الهيئة الوطنية للانتخابات" على أنه "يتم الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات التي تجرى خلال السنوات العشر التالية للعمل بالدستور، والتي تنتهي في 17 يناير 2024 تحت إشراف قضائي كامل، من أعضاء الجهات والهيئات القضائية، ويجوز للهيئة الاستعانة بأعضاء الجهات والهيئات القضائية بعد انتهاء هذه الفترة".
مدّ الإشراف القضائي الكامل
في وقت سابق، استجاب السيسي لتوصية "الحوار الوطني"، الذي يضم شخصيات عامة وحزبية ونقابية، بمدّ الإشراف القضائي الكامل على العمليات الانتخابية، ووجه في مارس 2023 الحكومة والأجهزة المعنية بــ "دراسة مقترح إجراء تعديل تشريعي، وآليات تنفيذه، يضمن تحقيق ذلك".
واستجابت هيئة الانتخابات حينها للتوجيه الرئاسي بإجراء الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2023 بإشراف قضائي كامل، قبل انتهاء المدة الدستورية لإلغاء الإشراف القضائي الكامل في يناير 2024.
وكان سياسيون ورؤساء أحزاب طالبوا بـ "ضرورة الإبقاء على الإشراف القضائي على الانتخابات، لضمان نزاهتها، واستجابة لتوصيات الحوار الوطني.
الإشراف القضائي ضمانة لنزاهة الانتخابات
وأكد مراقبون أن الإشراف القضائي الكامل يعد أحد أهم الضمانات لنزاهة الانتخابات وعدم التلاعب في عملية التصويت أو الفرز، ويعزز من مصداقية النتائج ولا يسمح بالطعن فيها، إلا أن تلك المطالبات لم يتم الاستجابة لها، مما أدى في النهاية إلى التشكيك في العملية الانتخابية برمتها.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه خبراء قانونيون أن "النص الدستوري لم يلغِ الإشراف القضائي كاملاً، وأتاح للهيئة المنظمة للاستحقاق انتداب أعضاء بالهيئات القضائية". وقالوا إن "استعانة الهيئة المنظمة للانتخابات بالقضاة في الاستحقاق البرلماني المقبل لا تشكل أي مخالفة للدستور".
وفقًا للخبراء، فإن "الدستور المصري أتاح لهيئة الانتخابات الاستعانة بأعضاء من الهيئات القضائية، النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، وإذا كان العدد غير كافٍ، فإنه يمكن لها انتداب قضاة بشكل مؤقت، من باقي الجهات القضائية، استنادًا لقانوني السلطة القضائية ومجلس الدولة".
وكانت عملية التصويت في المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب التي جرت يومي 10 و11 نوفمبر الجاري شابها مخالفات عدة رصدها العديد من المرشحين، تطعن في نزاهة العملية الانتخابية.
وهو ما أقر به السيسي في بيان أثار عاصفة من الجدل قال فيه إن الأحداث التي وقعت في بعض الدوائر الانتخابية التي جرت فيها منافسة بين المرشحين الفرديين تخضع لفحص الهيئة الوطنية للانتخابات دون غيرها، داعيا الهيئة إلى عدم التردد في الإلغاء الكامل للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.
وعلى الرغم من أن البعض بالغ في توقعاته بشأن الاستجابة لمقترح السيسي بالإلغاء الكامل للانتخابات، إلا أن الهيئة الوطنية للانتخابات قررت إلغاءها جزئيًا في 19 دائرة انتخابية ستشهد إعادة التصويت فيها، بعد الاستجابة للطعون المقدمة من عددد من المرشحين، وهو ما لم يرض مراقبين قالوا إنه كان من الأفضل إعادتها بشكل كامل.

