بينما كانت مصر تحتفل بافتتاح المتحف المصري الكبير بالقرب من الأهرامات مطلع هذا الأسبوع، بتكلفة تجاوزت مليار دولار، كانت الأخبار تتوالى عن غرق مجموعة من الشباب المصريين قبالة السواحل الليبية أثناء محاولتهم الهجرة إلى إيطاليا.

 

ويأتي الفقر والهروب من الأوضاع الاقتصادية في مصر على رأس الدوافع وراء لجوء كثير من الشباب المصري إلى الهجرة غير الشرعية لأوروبا، على أمل تحسين أحوالهم المعيشية، والبحث عن حياة أقل معاناة وأكثر تقديرًا لاحترام الإنسان وآدميته.

 

يتجه عدد متزايد من المصريين إلى الخارج على أمل العثور على فرص عمل مع ارتفاع التضخم في مصر إلى مستويات قياسية، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، وفرض الحكومة المثقلة بالديون قيودًا على الإنفاق.

 

مأساة أبناء قرية تلبانة بالدقهلية

 

آخر هؤلاء الشباب الذين كانوا يمنون أنفسهم بالخروج من مصر بحثًا عن حياة أفضل، مجموعة من أبناء قرية تلبانة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، انطلقوا من مدينة زوارة الليبية، للوصول إلى جزيرة صقلية الإيطالية، التي تبعد نحو 350 كيلومترًا، وهي الرحلة التي يستغرقها القارب عادة في نحو 25 ساعة.

 

لكن أحلامهم ابتلعها البحر كما ابتلع كثيرون قبلهم فيما تشير الأنباء الوارردة إلى أن ما لا يقل عن خمسة من أبناء قرية تلبانة كانوا على متن القارب الذي غرق قبالة سواحل مدينة صرمان الليبية.

 

ونزل الخبر كالصاعقة على أهالي قرية تلبانة الذين أصيبوا بحالة صدمة كبيرة منذ سماع الخبر ظهر يوم الخميس، فيما كان من الصعب التعرف على الجثامين بسبب صعوبة ملامحها في الصور الواردة من ليبيا، مما يفاقم أحزانهم على أبنائهم.

 

وتنشط عمليات الهجرة غير الشرعية خصوصًا بين أبناء الدلتا: البحيرة، والدقهلية، والغربية. ويهدف الشباب بشكل خاص إلى الوصول إلى ساحل إيطاليا. من هناك، يتجه الكثيرون شمالًا إلى دول مثل السويد والنرويج والدنمارك وألمانيا، وجميعها معروفة ببرامجها الاجتماعية وفرص العمل.

 

الفترة المثالية للمغادرة هي بين أبريل وأكتوبر. تتميز هذه الأشهر بأحوال جوية أكثر استقرارًا، لكن العواصف والأمواج العاتية لا تمنع المهاجرين من القيام بالرحلة بين نوفمبر ومارس.

 

وتصل تكلفة الرحلة إلى أكثر من 2000 دولار، وذلك حسب نوع السفينة، والمفاوضات، والوسطاء الذين يحجزون الرحلة، والمخاطرة.

 

أكثر من 20 ألف مهاجر في 2022

 

وفي عام 2022، بلغ عدد المهاجرين الوافدين من مصر إلى إيطاليا 20 ألفًا و542 مهاجرًا، وهو رقم يفوق عدد المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا من أي جنسية أخرى في ذلك العام، مقابل 1264 مهاجرًا فقط في عام 2020.

 

وتربط التقارير بين ارتفاع أعداد المغادرين من مصر في السنوات الأخيرة مع تدهور الاقتصادي، بعد أن أضرّت جائحة كورونا بقطاع السياحة الحيوي في مصر، كما زادت حرب أوكرانيا من عزوف المستثمرين عن المخاطرة، مما دفعهم إلى الابتعاد عن الأسواق المصرية.

 

ويقول اقتصاديون إن مصر تضررت أيضًا من ارتفاع الديون الناجم عن الإنفاق الحكومي الضخم على مشاريع ضخمة، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة.

 

وفي مارس 2024، أبرم قادة الاتحاد الأوروبي، اتفاقًا مع مصر لتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (8.5 مليار دولار)، وتهدف إلى "تعزيز الاقتصاد المصري المتعثر وتجنب أزمة هجرة أخرى في أوروبا"، تشمل 5.7 مليار دولار قروضًا غير مقيدة بشروط سياسية بسيطة، و230 مليون دولار لإدارة الهجرة، في صفقة يراها منتقدون "مكافأة" للنظام الاستبدادي في مصر.

 

السيسي يبتز أوروبا

 

وخلال لقائه كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مؤخرًا في بروكسل، قال السيسي إن "أوروبا لم تتأثر بشكل كبير بتداعيات الهجرة غير الشرعية، بفضل الجهود المصرية في هذا المجال، وعلى رأسها منع خروج قوارب الهجرة غير الشرعية منذ سبتمبر 2016، في وقت تستضيف فيه مصر نحو عشرة ملايين أجنبي نزحوا إليها من دول تعاني من الأزمات وعدم الاستقرار".

 

وقالت كيسلي ب. نورمان، الخبيرة في مجال مساعدات إدارة الهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد بيكر بجامعة رايس لمجلة "نيو إنترناشيوناليست": "بمجرد أن أظهروا أنهم قادرون حقًا على إيقاف القوارب التي تغادر من مصر باتجاه أوروبا، جلسوا مع الأوروبيين وقالوا: انظروا - إذا كنتم تريدون منا الاستمرار في القيام بذلك، فنحن بحاجة إلى مزيد من المساعدة".

 

 وأشارت إلى أن مصر تستخدم الآن "تهديدات مبطنة" في مفاوضاتها مع أوروبا للتحذير من زيادة الهجرة إذا توقفت عن تأمين حدودها أو إذا انهار اقتصادها.

 

وتقول نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، إن الصعوبات الاقتصادية في الشرق الأوسط تدفع المزيد من الناس إلى القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

 

وأكدت جبر، أن مصر نجحت في وقف ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر سواحلها منذ عام 2016، عازية ذلك إلى أن هناك تعليمات رئاسية واضحة لضبط الحدود ودعم الجهود الرامية إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية، سواء من خلال التأمين أو التنمية أو التوعية والتدريب.

 

وتبقى مثل هذه الحوادث التي يروح ضحيتها شباب مصريون يطمح في حياة أفضل هي شاهد على المعاناة التي يتكبدها المصريون تحت حكم السيسي، الذي يستغل الأمر لابتزاز أوروبا ماديًا، والحصول على مساعدات منها بمليارات الدولارات.