أثار المدير الفني لمنتخب إيطاليا جينارو جاتوزو جدلًا واسعًا بعدما أعلن أنه يشعر بـ"الحرج" من مواجهة منتخب إسرائيل في تصفيات مونديال 2026، بسبب ما ترتكبه من إبادة جماعية في غزة. هذه الكلمات البسيطة لكنها العميقة، كشفت ازدواجية مواقف كثير من اللاعبين العرب والمسلمين، الذين فضّلوا الصمت أو المجاملة على حساب الموقف الأخلاقي.

هذا الموقف يتقاطع مع موجة عالمية متصاعدة من التضامن مع الفلسطينيين، حيث شهدت عدة مدن أوروبية تظاهرات ضخمة، وصدرت بيانات من اتحادات طلابية ورياضية ونقابية تندد بالمجازر المستمرة منذ أشهر.

 

مدرب مسيحي غربي يرفع الصوت

جاتوزو، المعروف بشخصيته القوية منذ كان لاعبًا، لم يتردد في ربط كرة القدم بالدماء التي تسيل يوميًا في غزة، مؤكدًا أن مواجهة منتخب يمثل دولة ترتكب جرائم ضد الإنسانية أمر يثير لديه شعورًا بالعار. هذا الموقف الصريح من مدرب غربي مسيحي يعكس أن القضية الفلسطينية لم تعد حكرًا على العرب أو المسلمين، بل أصبحت قضية إنسانية عالمية.

في المقابل، يلفت مراقبون إلى أن العديد من النجوم العرب، الذين يملأون الملاعب الأوروبية ويجنون ملايين الدولارات، اختاروا الصمت المطبق، وكأن ما يجري في غزة لا يعنيهم.

 

مقارنة فاضحة مع اللاعبين العرب والمسلمين

حين يقول مدرب منتخب إيطاليا ما يخشى كثيرون من قوله، تتضح المفارقة المؤلمة: كيف يجرؤ أوروبي بعيد عن المنطقة على التصريح بما يعجز عنه لاعب عربي أو مسلم يعيش المأساة وجدانًا وهوية؟

لاعبون مثل محمد صلاح أو رياض محرز أو حكيم زياش، ورغم شعبيتهم الجارفة وقدرتهم على التأثير، لم يصدر عنهم سوى مواقف باهتة أو بيانات خجولة لا ترتقي إلى مستوى الجريمة الدائرة. بعضهم التزم الصمت التام، متذرعًا بـ"الحياد الرياضي"، في حين أن الحياد أمام الإبادة ليس سوى تواطؤ صريح.

 

ردود الفعل على تصريحات جاتوزو

في المقابل، لاقت تصريحات جاتوزو صدى واسعًا في الشارع الإيطالي والأوروبي. فقد عبرت جمعيات حقوقية ومنظمات شبابية عن دعمها لموقفه، معتبرة أن "الصمت على الإبادة جريمة، والرياضة لا يمكن أن تكون واجهة لتجميل الاحتلال."

كما رحب ناشطون في إيطاليا بتصريحاته، مشيرين إلى أنها تتماشى مع المزاج الشعبي الذي شهد تصاعدًا ملحوظًا في التعاطف مع الفلسطينيين. ففي الأشهر الأخيرة، رفعت الأعلام الفلسطينية في ملاعب عدة أندية، بينها ميلان وروما، فيما نظم مشجعون حملات لجمع التبرعات لضحايا غزة.

لكن الأهم أن الجماهير العربية والفلسطينية رأت في كلام جاتوزو صفعة لمشاهيرها الذين فضلوا الصمت، وكتب ناشطون أن "المدرب الإيطالي المسيحي صار أصدق مع فلسطين من لاعبينا المسلمين".

 

الصدى داخل إسرائيل

داخل الأوساط الإسرائيلية، أثارت تصريحات جاتوزو استياءً شديدًا، حيث وصفتها صحف عبرية بأنها "تحريض سياسي غير مقبول". واتهمت دوائر رياضية إسرائيلية المدرب الإيطالي بخلط الرياضة بالسياسة، في محاولة لتبرير جرائم الاحتلال تحت ذريعة "الحياد الرياضي".

لكن مراقبين يرون أن الغضب الإسرائيلي يعكس خوفًا من انتشار هذا الخطاب في أوساط رياضيين آخرين، ما قد يؤدي إلى عزلة مشابهة لما واجهته جنوب إفريقيا سابقًا.

 

القضية الفلسطينية اختبار أخلاقي

القضية الفلسطينية كانت دائمًا اختبارًا أخلاقيًا للعالم، واليوم يثبت جاتوزو أن الموقف لا يحتاج إلا إلى ضمير حي. إذا كان مدرب غربي لا تربطه بفلسطين إلا القيم الإنسانية يعلن صراحة رفضه اللعب أمام إسرائيل، فما عذر من وُلد ونشأ في بيئة عربية أو إسلامية ولا يزال يتهرب من أبسط موقف علني؟

هذا التناقض يعكس أزمة أوسع، إذ أصبح كثير من اللاعبين العرب أسرى لعقود رعاية ضخمة أو خوف من إغضاب أنديتهم الأوروبية، بينما الحقيقة أن صوتهم لو ارتفع سيكون له تأثير عالمي لا يستهان به.

 

صمت مُدان وجرأة تكشف المستور

تصريحات جاتوزو لم تكن مجرد جملة عابرة، بل مرآة عكست عجز الرياضيين العرب والمسلمين عن الاضطلاع بدورهم التاريخي في نصرة قضية هي قضيتهم الأولى. مدرب مسيحي من إيطاليا كشف بجرأته هشاشة أصوات كثيرة تلهث وراء الأموال والشهرة، فيما يترك أطفال غزة يواجهون الموت وحدهم.

اليوم، لم يعد مقبولًا أن يظل اللاعب العربي أو المسلم صامتًا بينما يتكلم الآخرون. فمن العار أن يأتي الصوت الأقوى ضد إسرائيل من أوروبا، بينما يكتفي أبناء المنطقة بالتبريرات والبيانات الباهتة. غزة لا تحتاج كلمات خجولة، بل مواقف جريئة مثل موقف جاتوزو، الذي سيظل شاهدًا على أن الضمير الإنساني لا دين له، لكنه يفضح المتخاذلين من أصحاب القضية.