العلاج لن يكون على نفقة المستثمرين.. خصخصة المستشفيات وشركات الأدوية كارثة صحية تقتل ملايين المصريين
الأحد 1 يونيو 2025 10:30 م
تمضي حكومة عبدالفتاح السيسي، بخطى حثيثة نحو خصخصة قطاعي الصحة والدواء، عبر إتاحة المستشفيات العامة وشركات الأدوية الحكومية للاستثمار المحلي والأجنبي، في خطوة تثير مخاوف عميقة من تقويض حق المصريين في العلاج المجاني وضرب مبدأ العدالة الصحية.
ففي أعقاب تصديق عبد الفتاح السيسي، في يونيو 2024، على قانون "تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، الذي يتيح تأجير المستشفيات العامة للمستثمرين لمدة تصل إلى 15 عامًا، دخلت صناديق استثمار عربية وأجنبية على خط المفاوضات لشراء حصص استراتيجية في عدد من المستشفيات وشركات الأدوية المملوكة للدولة.
وتسعى الحكومة، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة، إلى طرح 160 مستشفى حكوميًا في 22 محافظة من أصل 662، أمام المستثمرين خلال العامين المقبلين، تحت شعار "التطوير وتحسين جودة الخدمات". غير أن معارضين للقانون يرون أن الخطة لا تنفصل عن التزامات الحكومة تجاه صندوق النقد الدولي، وتهدف إلى تقليص الإنفاق العام ورفع يد الدولة عن الخدمات الأساسية.
دعوى قضائية واعتراض طبي واسع
وفي 24 مايو الماضي، نظرت محكمة القضاء الإداري دعوى أقامها المحامي الحقوقي خالد علي، بصفته وكيلاً عن مجموعة من الأطباء، للطعن في قرارات خصخصة المستشفيات الحكومية، ووقف التعاقد مع مستثمرين خليجيين وأجانب. وتم تأجيل الحكم إلى 5 أغسطس المقبل، لإضافة مطالب جديدة، أبرزها إلغاء التعاقد مع شركة فرنسية لإدارة مستشفى "هرمل" في القاهرة.
وتؤكد الدعوى أن الحكومة بدأت طرح 21 منشأة صحية للاستثمار قبل صدور اللائحة التنفيذية للقانون الجديد، ما اعتبرته "اعتداءً صريحًا على حقوق المرضى، وتهديدًا مباشرًا لحق الأطباء في أداء عملهم في بيئة مهنية آمنة ومستقرة".
الطبيبة منى مينا، المنسقة العامة السابقة لحركة "أطباء بلا حقوق"، كتبت على صفحتها: "تحذيراتنا تحولت إلى واقع كابوسي.. مرضى الأورام الذين كانوا يتلقون علاجهم المجاني بمستشفى هرمل باتوا اليوم ضحايا مباشرة للخصخصة، ينتظرون في طوابير لا تنتهي من أجل العلاج، أو يُطلب منهم دفع مبالغ لا طاقة لهم بها".
أرقام مخيفة عن مستقبل العلاج
توضح موازنة الدولة للعام المالي 2024-2025 مدى تواضع مخصصات قطاع الصحة، التي بلغت 200.1 مليار جنيه فقط، ما يعادل 1.17% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتعارض مع المادة 18 من الدستور، التي تلزم الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 3% من الناتج للقطاع.
وفي المقابل، تتجه الحكومة نحو تعظيم العائد من "الأصول الصحية"، إذ أعلنت عن تأجير خمس مستشفيات بالفعل في محافظتي القاهرة والجيزة، من بينها "هليوبوليس" و"أورام دار السلام"، ما ينذر بتكرار سيناريو مستشفى هرمل في مؤسسات أخرى.
تحرير أسعار الأدوية: الأزمة تتفاقم
في سياق متوازٍ، تشهد سوق الأدوية قفزات سعرية غير مسبوقة، حيث زادت أسعار أكثر من 2200 صنف دوائي في 2024 وحدها، بمتوسط زيادة تجاوز 50%. وتدرس هيئة الدواء المصرية آلية تسعير جديدة تربط أسعار الأدوية بالدولار، تحت ذريعة "المرونة والتوازن"، وهو ما اعتبره مراقبون مقدمة لتحرير كامل لسوق الدواء، ورفع الدعم الضمني عن مئات الأصناف الضرورية.
وقدّر تقرير حديث لمؤسسة "إي إف جي هيرميس" أن قيمة سوق الدواء في مصر ستصل إلى 353 مليار جنيه في 2025، مقابل 307 مليارات في 2024، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13% حتى 2029، مدفوعاً بزيادة الأسعار وتحسن حجم المبيعات.
شركات الدواء الحكومية.. في الطريق للبيع
أدرجت الحكومة شركتي "تنمية الصناعات الكيماوية (سيد)" و"مصر للمستحضرات الطبية"، التابعتين للشركة القابضة للأدوية، ضمن قائمة الشركات المستهدف بيعها لمستثمرين استراتيجيين أو عبر البورصة. وأبدت جهات استثمارية إماراتية وقطرية اهتمامها بشراء ما يصل إلى 30% من أسهم الشركتين، في ظل تصاعد الجاذبية الاستثمارية للقطاع الصحي.
ورغم بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتي من الأدوية 91.3%، إلا أن السوق يعاني من اختفاء متكرر لأصناف ضرورية، لا سيما أدوية الأورام والأمراض المزمنة، مع توقف شركات عدة عن إنتاج الأدوية رخيصة السعر بسبب الخسائر وغياب الحوافز الحكومية.
مخاوف من تفكيك القطاع الصحي العام
في ضوء هذه التطورات، تحذر نقابة الأطباء من أن خصخصة الصحة ستؤدي إلى "تحويل العلاج من حق إلى سلعة"، وتفتح الباب أمام جلب أطباء وتمريض أجانب قد لا يلتزمون بالمعايير المحلية، بما يؤثر على سلامة المرضى. بينما اعتبر النائب ضياء الدين داوود أن الحكومة "تتخلى عن مسؤوليتها الدستورية في تقديم العلاج للفقراء"، وأن ما يحدث "ليس تطويراً بل تفكيك تدريجي لمنظومة الصحة العامة".