قدّمت السلطات المصرية في مايو 2025 شكوى رسمية ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عبر اللجنة الأمنية المشتركة احتجاجًا على "الإجراءات العسكرية الأحادية" التي تنفذها قوات الاحتلال في مدينة رفح الفلسطينية وخاصة تحديد نقطة لتقديم المساعدات بمنطقة تل السلطان، التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن الحدود المصرية.
جاءت هذه الخطوة على خلفية التوغل العسكري الإسرائيلي الذي بدأ في أوائل مايو، والذي أسفر عن سقوط أكثر من 600 شهيد فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وتهجير عشرات الآلاف من السكان باتجاه مناطق غير مؤهلة للعيش في ظل الحصار القائم.
وتزعم مصر أن العمليات الإسرائيلية تهدد أمنها القومي، خصوصًا بعد استهداف مناطق قريبة من معبر رفح من الجهة الفلسطينية، الأمر الذي يمثل خرقًا صريحًا لمعاهدة السلام الموقعة بين الطرفين عام 1979.
تُعبر مصر عن قلقها من أن هذه الإجراءات تشكل خطراً داهماً على المنطقة الحدودية، خصوصاً في ظل تصاعد أزمة نقص الغذاء والمجاعة في قطاع غزة، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على المواطنين الفلسطينيين وتفجر الأوضاع على الحدود.
كما تخشى القاهرة من محاولات إسرائيلية لتهجير سكان غزة نحو الحدود المصرية، عبر حشدهم في رفح وتوزيع المساعدات الغذائية في نقاط محددة تدار من قبل شركات أمريكية تمولها وتديرها إسرائيل.
مآلات الشكوى والتوترات المستقبلية على الحدود
تصاعدت حدة التوتر على الحدود المصرية الإسرائيلية مع إعلان تل أبيب سيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ما اعتبرته مصر تهديداً خطيراً لحياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون على المعبر في الحصول على المساعدات.
حذرت مصر من أن هذه السيطرة الإسرائيلية قد تفضي إلى افتعال توترات على الحدود، قد تدفع السكان الفلسطينيين نحو السياج الحدودي مع مصر، مما يهدد الأمن القومي المصري ويجعل القاهرة مضطرة لاتخاذ إجراءات حازمة قد تصل إلى تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة عام 1979.
كما دعت مصر الأطراف الدولية إلى التدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة وتمكين الجهود الدبلوماسية من التوصل إلى هدنة مستدامة في قطاع غزة.
أدانت مصر بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، معتبرة أن السيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر خرق صارخ لاتفاقية السلام بين البلدين، التي تحظر اللجوء للقوة أو التهديد ضد السلامة الإقليمية لأي طرف.
وأكد خبراء قانونيون أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي والإنساني، وتعد خرقاً فاضحاً للمادة الرابعة من اتفاقية السلام التي نصت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود.
الأبعاد الأمنية والاستراتيجية للسيطرة الإسرائيلية على رفح
تعتبر السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، الذي يشمل رفح، تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، حيث يشكل هذا الشريط الحدودي بطول 14 كيلومتراً حاجزاً فاصلاً بين مصر وقطاع غزة.
السيطرة على هذا المحور تعني محاصرة القطاع بالكامل، والتحكم في كل حركة دخول وخروج الأفراد والبضائع، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين ويجبرهم على قبول أي حلول تفرضها إسرائيل، سواء كانت إدارة محلية تابعة لها أو التهجير القسري.
وقد عززت مصر أمن حدودها مع غزة بإرسال دبابات وإقامة جدار خرساني مزود بأسلاك شائكة وأجهزة مراقبة لمنع تدفق النازحين الفلسطينيين إلى أراضيها.
تجاوز الاحتلال الإسرائيلي الخطوط الحمراء التي لطالما حذرت القاهرة من تخطيها، حين شنَّ غارات جوية ومدفعية على محيط معبر رفح الفلسطيني، وأعلن سيطرته الكاملة عليه بتاريخ 7 مايو 2025، ليغلق بذلك آخر منفذ خارجي لقطاع غزة دون رقابة إسرائيلية.
وفي اليوم التالي، صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري بأن السيطرة على المعبر جاءت "لمنع تهريب الأسلحة لحماس"، وهو ادعاء رفضته القاهرة بشدة، مشيرة إلى أن هذا العمل "يقوض التفاهمات الأمنية مع مصر ويهدد استقرار المنطقة برمتها".
وقد أبدت تصريحات الخارجية المصرية قلقها من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى نزوح قسري للفلسطينيين نحو الحدود المصرية، وهو ما تعتبره مصر "خطًا أحمر".
تصريحات مصرية
أعرب قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي عن رفضه القاطع لتهجير سكان قطاع غزة نحو سيناء، واعتبر ذلك تصفية للقضية الفلسطينية.
كما حذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية التابعة للانقلاب العسكري المصري ضياء رشوان من أن إعادة الاحتلال الإسرائيلي لمحور فيلادلفيا سيشكل خطراً جدياً على العلاقات المصرية الإسرائيلية، مؤكداً أن مصر قادرة على الدفاع عن سيادتها ومصالحها ولن تسمح بإرغامها على قبول سياسات إسرائيلية متطرفة.
الموقف الدولي.. مجلس الأمن ومناورات واشنطن
على الرغم من الشكوى المصرية، فإن الجلسة التي عقدها مجلس الأمن يوم 17 مايو لم تسفر عن أي إدانة صريحة لإسرائيل، بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للمرة الخامسة منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023.
وفي حين أعربت روسيا والصين والبرازيل عن دعمها للشكوى المصرية، واتهمت للاحتلال الإسرائيلي بخرق القانون الدولي الإنساني، فإن الدول الغربية واصلت سياسة "المعادلة المزدوجة" عبر إدانة العنف من دون تحميل الاحتلال المسؤولية.
ويشير مراقبون إلى أن الشكوى المصرية، رغم رمزيتها، لن تغيّر ميزان القوى على الأرض، ما لم تقترن بخطوات عملية مثل تعليق اتفاقيات الغاز أو وقف التنسيق الأمني.
مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل الأزمة الحالية
تشير التحليلات إلى أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في سيطرته على رفح والضغوط على سكان غزة قد يدفع مصر إلى مراجعة علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، وربما تعليق معاهدة السلام التي تم توقيعها عام 1979، خاصة إذا ما استمر التصعيد العسكري وتهديد الأمن القومي المصري.
ويؤكد الخبراء أن هناك خيارات قانونية متعددة أمام مصر، منها تعليق العمل بالمعاهدة أو الانسحاب منها، إذا ما اعتبرت أن إسرائيل تنتهك بنود الاتفاقية بشكل متكرر.