نشرت صحيفة هآرتس العبرية مقالاً للكاتب زفي بارئيل تناول فيه موقع مصر الحرج بين تجاهل الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب، وضغوط الحرب المستمرة في غزة وتداعياتها الاقتصادية والأمنية.
زار مستشار ترامب للشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، القاهرة بشكل مفاجئ، وظهر في صور إعلامية وهو يتناول الكشري، لكن الزيارة لم تعوض رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي عن التهميش الأميركي. لم يوجَّه له أي دعوة لحضور لقاءات ترامب في السعودية وقطر، كما لم يشمله جدول زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة. حتى مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، لم يمر بالقاهرة. بينما زار قادة كالأردني عبد الله الثاني والإسرائيلي بنيامين نتنياهو البيت الأبيض، بقي السيسي يترقّب دون استجابة.
تفاقمت العلاقات بعد إعلان ترامب مشروعه لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، عبر تهجير سكانها نحو مصر والأردن، وتجاهل اعتراضات القاهرة وعمان. هدد ترامب بقطع المساعدات الأميركية السنوية التي تبلغ 1.4 مليار دولار، إذا لم تنصع مصر للمقترح. لكن السيسي قاوم بشدة، وسعى لدعم سعودي وخليجي، وطرح خطة بديلة تحت اسم "المقترح المصري"، تضمنت لجنة فلسطينية لإدارة الإعمار، صندوقاً بقيمة 54 مليار دولار، واستبعاد حماس من إدارة غزة. ورغم تبني القمة العربية للخطة، رفضها ترامب، كما شككت الإمارات بجدواها.
احتجت القاهرة دبلوماسيًا على تصريحات يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، الذي رأى خطة التهجير السبيل الوحيد للإعمار، وتساءل عن كيفية نزع سلاح حماس ومن سيتولى إدارة غزة. لكن مصر لم ترد بشكل علني خوفًا على استثمارات إماراتية بقيمة 35 مليار دولار.
رفض السيسي أيضًا طلب ترامب بالمشاركة في الحملة الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، التي انطلقت في مارس. رفضت مصر، مثل السعودية والإمارات، الانضمام لتحالف دولي أسسه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. تسربت تقارير عن طلب القاهرة من الحوثيين عدم استهداف السفن المتجهة لقناة السويس، وهو ما نفته لاحقًا. القاهرة بررت موقفها برغبتها في تجنب التورط في حرب قد تستهدف أراضيها.
لكن بخلاف الرياض وأبوظبي اللتين تقدمان أموالًا ضخمة لواشنطن، تعتمد مصر على المساعدات الأميركية، ما يجعلها عرضة للضغط. بعد رفض القاهرة، كتب ترامب منشورًا عبر "تروث سوشيال" طالب فيه بمرور السفن الأميركية مجانًا عبر قناة السويس، زاعمًا أن القناة ما كانت لتوجد لولا الولايات المتحدة. فرد عليه النائب المصري مصطفى بكري ساخرًا: "القناة حُفرت بين 1859 و1869، وأميركا وقتها كانت في الروضة". وأكد أن مصر ليست جمهورية موز.
بعد أيام، أعلن ترامب التوصل إلى اتفاق هدنة مع الحوثيين، لكنه ترك إسرائيل تحت النيران. من جانبها، قررت مصر منح خصم بنسبة 15٪ على رسوم عبور قناة السويس لمدة 3 أشهر للسفن الضخمة، سعيًا لتعويض خسائر بلغت نحو 7 مليارات دولار بسبب هجمات الحوثيين في 2024.
في الخلفية، ظهر مقترح سعودي للسماح بإقامة قواعد أميركية في جزيرتي تيران وصنافير، لتأمين قناة السويس ومراقبة تهريب الأسلحة. رغم توقيع اتفاق لنقل الجزيرتين من مصر للسعودية عام 2016، لا تزال عقبات قانونية وأمنية ودبلوماسية تؤجل التنفيذ. رفض مصريون الاتفاق وخرجوا في احتجاجات ضخمة، معتبرين الصفقة خيانة وطنية. طلبت إسرائيل تعديلات على معاهدة كامب ديفيد، منها نشر أنظمة مراقبة على الجزيرتين، لكن القاهرة اعترضت، وطالبت بتعزيز قواتها في سيناء مقابل الموافقة.
وفي حين وافقت إسرائيل سابقًا على نشر قوات مصرية لمحاربة "داعش"، توتر العلاقات مع القاهرة جعل تنفيذ الخطة السعودية موضع شك. حاولت الرياض الضغط على القاهرة بربط المساعدات بالإصلاحات الاقتصادية، لكنها تراجعت خشية إثارة غضب شعبي.
في هذا المشهد المعقد، تواجه مصر تحديات متراكمة: ضغوط سعودية، فتور أميركي، خسائر اقتصادية من حرب غزة، وانكماش دورها الإقليمي. ووسط غياب أوراق ضغط فعالة، يقف السيسي خارج اللعبة، عاجزًا عن التأثير في مسار الحرب أو في مواقف إسرائيل وحماس.
https://www.haaretz.com/middle-east-news/2025-05-24/ty-article/.premium/egypt-is-stuck-between-a-cold-american-shoulder-and-the-high-price-of-the-war-in-gaza/00000197-0112-dc94-ab97-0f1ef4940000