في خطوة تؤشر على توسع متزايد لنفوذ "جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة" التابع للقوات الجوية، أعلن عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات إطلاق موسم حصاد القمح 2025، أن الدولة تخطط لتكرار تجربة العاصمة الإدارية الجديدة في جميع المحافظات، من خلال إنشاء مجمعات حكومية مركزية تهدف إلى تحسين الخدمات وربط المحافظات بشكل مباشر بالحكومة المركزية، فيما اقترح في الوقت ذاته استبدال الدعم النقدي للمواطنين بتوزيع أبقار منتجة للحوم والألبان كوسيلة مستدامة للتمكين الاقتصادي.
وقال السيسي إن نقل المديريات والهيئات من أراضٍ ذات قيمة عقارية مرتفعة إلى أطراف المدن والمناطق الصحراوية، كما جرى في العاصمة الإدارية، سيسمح بإعادة استغلال تلك الأراضي اقتصاديًا، وتحقيق نقلة نوعية في البنية المؤسسية بالمحافظات.
دعم إنتاجي لا نقدي.. بقرة تغني عن معاش
وفي تحول لافت في خطاب الدعم الاجتماعي، اقترح السيسي أن يتم التحول من الدعم النقدي المباشر إلى تمكين المواطنين من الإنتاج، موضحًا: "بدل ما أدي فلوس كل شهر، أنا ممكن أدي حاجة من دي تغني الناس، إنتاجها في اللحوم أو الألبان يغني الناس".
وأشار إلى أن تحسين سلالات الثروة الحيوانية يمكن أن يعزز الاقتصاد الغذائي الوطني في غضون سنوات قليلة، داعيًا القطاع الخاص للمشاركة دون إقصاء من الأرباح.
كما انتقد السيسي استمرار الاستيراد الواسع لحليب الأطفال، رغم طرحه ملف التصنيع المحلي منذ خمس سنوات، مطالبًا الحكومة والمستثمرين باتخاذ خطوات جادة لإنتاجه داخل مصر.
"مستقبل مصر" يمدّ سلطته إلى البحيرات.. الصيد تحت الرقابة
في السياق ذاته، وسّع جهاز "مستقبل مصر"، التابع فعليًا للرئاسة، صلاحياته لتشمل إدارة البحيرات، بعد أن بدأ مؤخرًا أعمال حصر أراضي بحيرة البرلس في كفر الشيخ تمهيدًا لتولي مسؤوليتها، لتنضم إلى بحيرات ناصر والبردويل والمنزلة، التي انتزع الجهاز إدارتها العام الماضي، بموجب قرارات حكومية لم تُنشر رسميًا في الجريدة الرسمية.
وحذّر مصدر في جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية من أن نقل صلاحيات الجهاز إلى "مستقبل مصر" سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية مباشرة، أبرزها ارتفاع أسعار الأسماك نتيجة زيادة إيجارات المزارع السمكية.
وأوضح المصدر: "منذ دمج هيئة الثروة السمكية في الجهاز عام 2021، لم تعد الجهة خدمية بل اقتصادية، وبات عليها تحقيق أرباح، ما رفع تكاليف الإنتاج على المزارعين والصيادين".
وتؤكد التجربة الأولية في بحيرة البردويل بشمال سيناء هذه التحذيرات؛ إذ اشتكى صيادون من القيود الجديدة المفروضة عليهم من قبل الجهاز، والتي شملت تحديد مواعيد وأدوات الصيد، ووصلت حد منع مئات الصيادين من دخول البحيرة بعد رفضهم للشروط الجديدة، ما أوقف مصدر رزقهم الوحيد.
السيسي للصيادين.. اصبروا سنة أو اتنين
وخلال افتتاح المرحلة الأولى من مدينة "مستقبل مصر الصناعية"، قال السيسي، تعليقًا على عرض قدّمه مدير الجهاز العقيد بهاء الغنام بشأن إدارة البحيرات: "مصر فيها 14 بحيرة، والبحيرات دي ثروة مش بس للدولة، للناس كمان، لكن طول ما بنستخدمش سبل صيد جيدة أو أساليب علمية، هيفضل دخل الصياد محدود".
وأضاف عبدالفتاح مخاطبًا الصيادين: "أنا مش عاوز أخسّرك، بس عاوزك تصبر سنة ولا اتنين، لأن البحيرات فيها نظام بيئي لازم نحافظ عليه".
جهاز واحد.. سلطة واسعة
تتزامن تصريحات عبدالفتاح مع توسع متسارع لصلاحيات "جهاز مستقبل مصر"، الذي بدأ كمشروع زراعي يتبع القوات الجوية، قبل أن يتحول بقرار رئاسي صدر في 2022 إلى كيان إداري واقتصادي متشعب المهام، يسيطر حاليًا على ملفات استراتيجية مثل:
- استيراد القمح والسلع الأساسية بدلًا من الهيئة العامة للسلع التموينية.
- الإشراف على بورصة السلع.
- إدارة البحيرات والمزارع السمكية.
- استلام القمح من الفلاحين.
لكن هذا التوسع لم يُقنن بعد، إذ لم يتم نشر القرار الجمهوري بإنشاء الجهاز في الجريدة الرسمية حتى اليوم، وهو ما يثير تساؤلات قانونية ودستورية حول آليات المحاسبة والرقابة عليه.