يتحدث العالم بأسره عن الخلاف الذي وقع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي يوم الجمعة. وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، يخرق رئيس أمريكي قواعد الدبلوماسية ويهين رئيس دولة على الهواء مباشرة، مما يشكل سابقة خطيرة.

 

مشهد مسرحي سياسي

بدا اللقاء وكأنه مسرحية رديئة، حيث لعب ترامب ونائبه جي دي فانس دور البطولة، بينما شارك بعض الصحفيين الموالين لهم في الأدوار الثانوية. بدأ الأمر عندما سأل أحد الصحفيين زيلينسكي مستفزًا: "لماذا لا ترتدي بدلة رسمية؟ أنت في أعلى مكتب في هذا البلد وترفض ارتداء بدلة".

فأجاب زيلينسكي بثبات: "سأرتدي بدلة بعد انتهاء هذه الحرب. ربما مثل بدلتك، وربما أفضل، لا أعلم. ربما أرخص".

تدخل ترامب عند هذه النقطة لتهدئة الأجواء قائلًا إنه يحب زي زيلينسكي، قبل أن يربت على كتفه بلطف.

 

هجوم ترامب وتصعيد فانس

بدأ ترامب بعد ذلك هجومه الحاد، واصفًا زيلينسكي بالضعيف، مؤكدًا أنه لولا المساعدات الأمريكية خلال إدارة بايدن، لكانت أوكرانيا قد سقطت أمام الغزو الروسي. وعلى الرغم من اعتراف زيلينسكي بذلك وشكره لأمريكا، تدخل نائبه فانس بغضب واتهم الرئيس الأوكراني بعدم الامتنان الكافي.

حينها، بدأ زيلينسكي بالهجوم المضاد، متسائلًا لماذا كان فانس يرفع صوته، مشيرًا إلى أنه قد أعرب بالفعل عن امتنانه للولايات المتحدة. وردًا على ذلك، اتهمه ترامب بالمقامرة بحرب عالمية ثالثة، لينضم فانس إلى ترامب في محاولة لترهيب زيلينسكي، قائلًا له إن أوكرانيا لا تملك أوراق القوة الآن، وإنه إن لم يوقع اتفاقًا، فستُترك بلاده للقتال وحدها.

 

طرد زيلينسكي من البيت الأبيض

غادر زيلينسكي المكان – أو بالأحرى تم طرده من البيت الأبيض – لتنتهي بذلك إحدى أغرب الاستعراضات السياسية التي شهدها العالم. وبغض النظر عن العواقب السياسية والاقتصادية العالمية لما حدث، إلا أن زيلينسكي، رغم وقوعه في فخ ترامب وتعرضه للإهانة، ظل قويًا ولم يقبل الإذلال المتكرر.

لكن ماذا لو كان رئيس دولة عربية في موقف زيلينسكي؟

 

مطالب ترامب المالية

كان ترامب يريد من زيلينسكي التوقيع على اتفاق يمنح الولايات المتحدة نصف ثروة أوكرانيا من المعادن النادرة، تعويضًا عن المساعدات التي قدمتها واشنطن لكييف خلال الحرب. وادعى أن هذا حق لدافعي الضرائب الأمريكيين، متسائلًا بتهكم: "هل يتعين على إسرائيل أن تقدم شيئًا مقابل المليارات التي تحصل عليها من أمريكا كل عام؟".

لكن زيلينسكي كان يهدف إلى تحرير بلاده من الاحتلال الروسي وتأمين مستقبلها، وليس بيع مواردها.

 

صراع القوى العظمى

يأتي هذا اللقاء قبل أيام من الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تعتبره موسكو معركة وجودية للحفاظ على مكانتها كقوة عالمية كبرى.

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، انضمت دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي أو ضمن حلف وارسو إلى حلف الناتو، مما أدى إلى تقليص المناطق العازلة بين روسيا والناتو، باستثناء بيلاروسيا وأوكرانيا. وترى روسيا أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يعني محاصرتها بالكامل وفرض شروط قاسية عليها قد تؤدي إلى إضعافها استراتيجيًا.

لكن بالنسبة لترامب، فإن الصراع الأوكراني لا يخدم مصالح أمريكا، بل يراه خطأ استراتيجيًا، حيث يؤمن بأن واشنطن يجب أن تركز على مواجهة الصين بدلًا من التورط في صراع غير مجدٍ مع روسيا. لذلك، تواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووصف سياسة بايدن تجاه موسكو بأنها متخلفة.

 

قلق أوروبي متزايد

يشعر الأوروبيون الآن بالخوف من أنهم قد يجدون أنفسهم مضطرين لإدارة صراع مسلح على أعتابهم مع دولة نووية. ويزداد قلقهم بعد أن توصل ترامب إلى اتفاق مع روسيا بشأن أوكرانيا خلال اجتماع في الرياض، دون أي مشاركة أوروبية أو حتى أوكرانية.

من وجهة نظرهم، فإن هذا الاتفاق لا يوفر حماية كافية لأوكرانيا، ما يهدد أمن أوروبا أيضًا. كما أن استجابة واشنطن للمطالب الروسية قد تضر بمصداقية الناتو وتؤدي إلى زعزعة استقراره.

 

حكم البلطجة

وصف دبلوماسي غربي ما حدث في المكتب البيضاوي بأنه "عملية سطو سياسي مخططة" ضد زيلينسكي، مما يعزز المخاوف بشأن الأمن الأوروبي. أما بالنسبة لبقية العالم، فقد أصبح واضحًا أن بلطجيًا بلا مبادئ يحكم العالم الآن.

https://www.middleeastmonitor.com/20250303-an-unprincipled-bully-is-now-basically-ruling-the-world/