تشهد الساحة الاقتصادية العالمية تصاعدًا ملحوظًا في التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، مع تصاعد حدة الخطاب والإجراءات الانتقامية بين الولايات المتحدة من جهة، والاتحاد الأوروبي والصين من جهة أخرى.
تأتي هذه التطورات في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي ما زال يعاني من تداعيات أزمات سابقة، مما يثير مخاوف من تصاعد النزاعات إلى مستوى يؤثر سلبًا على الأسواق والعمال والمستهلكين.
أوروبا تواجه تهديدات ترامب التجارية بحزم
حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من مغبة فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي، مشددة على أن الاتحاد لن يتوانى عن الرد بحزم إذا ما تم استهدافه بشكل غير عادل أو تعسفي.
وقالت فون دير لاين عقب قمة لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "عندما يتم استهدافنا بشكل غير عادل أو تعسفي، سنرد بحزم"، مشيرة إلى أن التكتل الأوروبي يسعى إلى حوار قوي ولكن بناء مع الولايات المتحدة لتجنب أي تصعيد قد يضر بالجانبين.
وأضافت أن فرض رسوم جمركية جديدة لن يؤدي سوى إلى زيادة تكاليف الأعمال، والإضرار بالعمال والمستهلكين، وخلق اضطرابات اقتصادية غير ضرورية، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم. وأكدت على ضرورة المشاركة المبكرة في المفاوضات كوسيلة لتجنب التصعيد وحل النزاعات التجارية عبر الحوار بدلاً من اللجوء إلى الإجراءات العقابية.
وتأتي هذه التحذيرات في ظل تهديدات ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي، في خطوة يرى أنها ستعزز الصناعات المحلية الأمريكية وتقلص العجز التجاري مع التكتل الأوروبي.
وكانت العلاقات التجارية بين واشنطن وبروكسل قد شهدت توترًا ملحوظًا خلال ولاية ترامب الأولى، حيث فرضت الولايات المتحدة في عام 2018 رسومًا جمركية على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات انتقامية شملت فرض رسوم على منتجات أمريكية بارزة مثل مشروب ويسكي البوربون ودراجات هارلي ديفيدسون والجينز.
الصين ترد بقوة على الإجراءات الأمريكية
في سياق متصل، أعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية جديدة على مجموعة من الواردات الأمريكية، في خطوة تصعيدية قد تؤجج مجددًا الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وذكرت وزارة التجارة الصينية أنها ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 15% على وارداتها من الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، إضافة إلى فرض رسوم بنسبة 10% على النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة والشاحنات الصغيرة المستوردة من الولايات المتحدة.
وجاء هذا القرار الصيني ردًا على فرض واشنطن رسومًا بنسبة 10% على البضائع الصينية، وهي خطوة تهدد بإشعال مواجهة جديدة في النزاع التجاري بين البلدين.
وأوضحت الوزارة أن هذه الإجراءات ستدخل حيز التنفيذ يوم الاثنين المقبل، مؤكدة أن بكين لا تتهاون في حماية مصالحها الاقتصادية أمام السياسات الأمريكية التي تراها غير عادلة.
ويأتي هذا التصعيد بعد دخول رسوم جمركية أمريكية نسبتها 10% على الواردات الصينية حيز التنفيذ اليوم الثلاثاء، مما يعزز المخاوف من اشتعال نزاع تجاري واسع النطاق بين القوتين الاقتصاديتين.
وفي خطوة مماثلة، علق ترامب يوم الاثنين الماضي تهديده بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على المكسيك وكندا، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتشديد الرقابة على الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة، وذلك لمدة 30 يومًا.
انعكاسات التصعيد التجاري على الاقتصاد العالمي
يُجمع خبراء الاقتصاد على أن تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة من جهة، وأوروبا والصين من جهة أخرى، قد يؤدي إلى تداعيات سلبية واسعة النطاق، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، واضطراب سلاسل التوريد العالمية.
وتشير التقديرات إلى أن فرض المزيد من الرسوم الجمركية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين والأوروبيين والصينيين، مما قد يسهم في ارتفاع التضخم وزيادة الضغوط الاقتصادية على الأسواق العالمية.