اقتراح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن يتم "تطهير" سكان غزة الفلسطينيين ونقلهم إلى مصر والأردن هو فكرة طالما روج لها اليمين الصهيوني.

على مدار العقود التي تلت حرب الأيام الستة عام 1967، عندما استولت قوات الاحتلال الصهيوني لأول مرة على قطاع غزة الذي كان تحت الحكم العسكري المصري، دأب المسؤولون والمعلقون الصهاينة على الترويج لفكرة إعادة توطين الفلسطينيين في غزة داخل مصر.

في الآونة الأخيرة، ظهر هذا الطرح في وثيقة مسربة أعدتها وزارة الاستخبارات الصهيونية -التي تقوم بإعداد الدراسات والأوراق السياسية لكنها لا تمثل وكالات الاستخبارات- وذلك بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب في غزة.

وأوصت هذه الوثيقة بأن تقوم قوات الاحتلال بـ"إخلاء السكان المدنيين إلى سيناء"، ثم إنشاء "منطقة تطهير عازلة على عدة كيلومترات... داخل مصر" لمنع عودتهم.

لكن إذا كانت هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق، فذلك لأن مصر، التي تشترك في الحدود مع غزة ولديها معاهدة سلام مع الاحتلال الصهيوني، أوضحت منذ فترة طويلة أنها ترفض رفضًا قاطعًا أي جهود للاحتلال لتفريغ مشكلة غزة على القاهرة، سواء من خلال النقل القسري للسكان أو بطرق أخرى.

لطالما كان موقف مصر واضحًا:
بحكم احتلالها الطويل لغزة، فإن الاحتلال الصهيوني يتحمل المسؤولية القانونية عن القطاع.
كما أن التهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر سيكون أمرًا بالغ الحساسية سياسيًا في بلد كان شعبه تاريخيًا أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين من النخب السياسية، باستثناء فترة حكم الإخوان المسلمين القصيرة.

كما تخشى مصر منذ فترة طويلة أن تتحول أي مخيمات طويلة الأمد في سيناء إلى قاعدة جديدة للمقاتلين الفلسطينيين، مما قد يعرض علاقتها بالاحتلال الصهيوني للخطر.

أما الأردن، فهو بالفعل موطن لملايين الفلسطينيين، كما يعيش عشرات الآلاف في مصر.
وتعارض كل من هاتين الدولتين، إلى جانب الدول العربية الأخرى، فكرة نقل الفلسطينيين في غزة إلى أراضيهم.

وتدرك مصر والأردن جيدًا أنه عندما تم تهجير الفلسطينيين قسرًا في الماضي -سواء إلى الأردن أو لبنان أو سوريا أو غزة- لم يكن هناك عودة لهم، لا سيما بعد الحرب التي أدت إلى إنشاء الاحتلال الصهيوني عام 1948.

ورغم أن الاحتلال الصهيوني نجح في تهجير بعض الفلسطينيين إلى سيناء بعد حرب 1967، فإن الحكومات المصرية رفضت هذه الفكرة عندما طُرحت مجددًا، بما في ذلك خلال الفترة التي سبقت انسحاب المستوطنين وجنود الاحتلال من غزة عام 2005، خاصة أن الداعمين الأبرز لهذا الطرح هم من اليمين المتطرف الصهيوني الذين يؤيدون التهجير القسري بهدف السماح بإقامة مستوطنات يهودية في غزة.

وفي هذا السياق، كتب أمير تيبون في صحيفة هآرتس يوم الإثنين أنه خلال إدارة ترامب الأولى، روج اليمين المتطرف لشائعات تفيد بأن إدارته كانت تخطط لمنح الفلسطينيين أراضي في سيناء -على حساب مصر- كتعويض مقابل السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية.

إذا كانت تصريحات ترامب تبدو محيرة -بالإضافة إلى كونها تتعارض مع القانون الإنساني الدولي الذي يحظر التهجير القسري- فذلك لأنها تشير إلى أنه لا يمتلك سياسة متماسكة تجاه الشرق الأوسط.

فأولًا، كل من الأردن ومصر تربطهما علاقات ودية مع الولايات المتحدة.
وثانيًا، فإن طموح ترامب لإبرام صفقة كبرى تتمحور حول تطبيع العلاقات بين السعودية والاحتلال الصهيوني يواجه بالفعل عقبة كبيرة، إذ تصر الرياض على تحقيق تقدم ملموس نحو إقامة دولة فلسطينية.
وأي شيء يُنظر إليه على أنه تطهير عرقي واسع النطاق في غزة سيكون بمثابة خط أحمر.

وقد انعكس هذا بوضوح في الرفض الفوري لتعليقات ترامب، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية بأن برلين تتفق مع "الاتحاد الأوروبي وشركائنا العرب والأمم المتحدة... على أن السكان الفلسطينيين يجب ألا يُطردوا من غزة، كما يجب ألا يتم احتلال غزة بشكل دائم أو إعادة استعمارها".

وعلى الصعيد الداخلي، أثارت تصريحات ترامب جدلًا واسعًا أيضًا. فقد قال الدكتور بشارة بحبح، رئيس اللجنة الوطنية لـ"العرب الأمريكيون من أجل ترامب": "نرفض رفضًا قاطعًا اقتراح الرئيس دونالد ترامب بنقل الفلسطينيين في غزة إلى مصر والأردن، سواء طوعًا أو قسرًا".

الأمر المؤكد هو أن هذه الفكرة، سواء زرعها أحدهم في ذهن ترامب أو خرجت منه بشكل عفوي، تتعارض تمامًا مع أي خطة سلام ذات مصداقية في الشرق الأوسط.

https://www.theguardian.com/us-news/2025/jan/27/donald-trump-toxic-remarks-on-gaza-reveal-lack-of-joined-up-thinking