مع تصاعد العمليات العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية، يتضح أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمنح الاحتلال الصهيوني حرية غير مسبوقة في التصرف، مما يؤدي إلى تفجير الأوضاع في المنطقة.

ففي ظل الانشغال بالحرب في غزة، تتحول الأنظار الآن إلى الضفة الغربية حيث يشنّ جيش الاحتلال حملة واسعة ضد المدن والمخيمات الفلسطينية، خاصة في جنين ونابلس، بينما يستمر المستوطنون في شنّ هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين بدعم غير مباشر من حكومة الاحتلال.

ويصف الكاتب ديفيد هيرست في مقال نشره موقع ميدل إيست آي المشهد في الضفة الغربية بأنه جزء من خطة صهيونية ممنهجة، تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض بدعم أمريكي واضح وتمثل استجابة لمطالب اليمين المتطرف داخل حكومة نتنياهو، حيث تزامن الهجوم على جنين مع تغييرات في القيادة العسكرية للاحتلال الصهيوني.
 

تصعيد ممنهج وغطاء أمريكي كامل
   
بحسب هيرست، فإن الهجوم الصهيوني على الضفة الغربية لم يكن عشوائيًا، بل كان مخططًا له مسبقًا، لكنه نُفِّذ في توقيت يخدم مصالح نتنياهو السياسية الداخلية.

فقد جاء هذا التصعيد ليضمن بقاء اليمين المتطرف في حكومته، خاصة بعد تهديد وزير مالية الاحتلال الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة بسبب قبول نتنياهو بهدنة مؤقتة في غزة.

الهجوم على جنين ونابلس وأماكن أخرى في الضفة لم يكن مجرد عملية عسكرية محدودة، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى تدمير بنية المقاومة الفلسطينية التحتية، وتقويض سلطة السلطة الفلسطينية نفسها، التي باتت في وضع ضعيف للغاية.

ويوضح هيرست أن التصعيد العسكري في الضفة هو في الواقع مقدمة لضمّ تدريجي لأجزاء منها، وهو ما يتماشى مع رؤية العديد من مسؤولي إدارة ترامب الجدد، الذين يؤمنون بحق الاحتلال الصهيوني في السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية.
 

ترامب ونتنياهو.. تحالف اليمين المتطرف
   
يستشهد هيرست بسجلّ ترامب في دعمه غير المحدود للاحتلال الصهيوني خلال فترته الرئاسية الأولى، حينما منح الاحتلال العديد من الهدايا السياسية الكبرى، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بضمّ الجولان، والترويج لما يُعرف بـ"صفقة القرن"، التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع العربي وإلغاء حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة.

اليوم، ومع عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي، يحيط نفسه بشخصيات أكثر تطرفًا في مواقفه تجاه الاحتلال الصهيوني والفلسطينيين.

فقد عين مايك هاكابي سفيرًا لدى الاحتلال، وهو شخص يؤمن بأن الفلسطينيين لا وجود لهم كشعب.

فيما تم تعيين بيت هيغسيث وزيرًا للدفاع، وهو من دعاة بناء "الهيكل الثالث" على أنقاض المسجد الأقصى

أما ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للسلام، فيرى أن الحل المثالي لغزة هو "ترحيل الفلسطينيين إلى إندونيسيا".

هيرست يرى أن هذه التعيينات تكشف بوضوح أن ترامب في ولايته الثانية لن يكون مجرد داعم للاحتلال، بل سيسعى لتنفيذ رؤية اليمين الديني المتطرف، الذي يرى أن الضفة الغربية يجب أن تخضع لسيطرة الاحتلال الصهيوني الكاملة دون أي اعتبار لحقوق الفلسطينيين.
 

نتنياهو في مأزق داخلي لكنه يراهن على الفوضى
   
على الرغم من الدعم الأمريكي المطلق، إلا أن نتنياهو يواجه تحديات داخلية كبرى، أبرزها تصاعد الضغوط الشعبية لإنهاء الحرب في غزة، والانقسام غير المسبوق داخل المجتمع الاستيطاني.

فقد أدت الحرب المستمرة إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، جعلت المحتلين الصهاينة يتساءلون عن جدوى استمرار العمليات العسكرية، خاصة مع استمرار المقاومة الفلسطينية في غزة رغم الدمار الهائل.

الانقسام داخل كيان الاحتلال اليوم هو الأعمق منذ سنوات. فهناك مظاهرات أسبوعية لعائلات الأسرى الصهاينة لدى حماس، تطالب الحكومة بوقف القتال والتوصل إلى صفقة تبادل.

كما أن الأعباء الاقتصادية للحرب أصبحت تثقل كاهل المستوطنين المحتلين، الذين اعتادوا حياة الرفاهية والأمن.

ورغم كل ذلك، يراهن نتنياهو على أن التصعيد في الضفة الغربية سيمنحه بعض الوقت للبقاء في السلطة.

فهو يدرك أن اليمين المتطرف لن يسمح له بالبقاء إذا لم ينفذ أجندتهم بالكامل، لذلك هو مستعد لتصعيد الحرب ضد الفلسطينيين في الضفة، حتى لو أدى ذلك إلى تفجير المنطقة بأكملها.
 

الإدارة الأمريكية في غيبوبة عن الواقع
   
وينتقد هيرست الإدارة الأمريكية بشدة، معتبرًا أنها تعيش في حالة إنكار كامل لما يحدث في المنطقة.

فترامب ومستشاروه يرون القضية الفلسطينية فقط من منظور الصهاينة، دون أي اعتبار لحقيقة أن المنطقة تغلي بسبب سياسات الاحتلال الصهيوني.

ويحذر هيرست من أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تجاهل تداعيات سياساتها في الشرق الأوسط إلى الأبد.

فإذا انهارت الأوضاع في الضفة الغربية، فإن الأردن سيكون أول المتأثرين، حيث يعيش فيه أكثر من 6 ملايين فلسطيني، إضافة إلى أنه يستضيف قواعد عسكرية أمريكية كبرى.

وبالتالي، فإن أي اضطراب في الضفة ستكون له تداعيات إقليمية واسعة، لن يستطيع ترامب ولا إدارته السيطرة عليها بسهولة.
 

الاحتلال الصهيوني يخسر دعم العالم العربي

   أحد الأخطاء الكبرى التي وقعت فيها سلطات الاحتلال، وفقًا لهيرست، هو اعتقادها أنها قادرة على تجاهل الرأي العام العربي إلى الأبد.

فقبل الحرب على غزة، كانت سلطات الاحتلال على وشك تحقيق "نصر دبلوماسي" من خلال تطبيع علاقاتها مع السعودية، وكان الفلسطينيون في وضع ضعيف إقليميًا.

لكن الحرب غيّرت كل شيء. فقد أدى الدمار الهائل في غزة إلى إعادة إحياء المشاعر المؤيدة للفلسطينيين في العالم العربي، حتى في الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال.

فالمظاهرات التي خرجت في المغرب والأردن ومصر وحتى الخليج أثبتت أن القضية الفلسطينية لا تزال قادرة على تحريك الشارع العربي، رغم محاولات الحكومات تجاهلها.

يشير هيرست إلى حادثة لافتة: قيام شاب مغربي بالتخلي عن فرصة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة ليذهب إلى تل أبيب وينفذ عملية طعن ضد المحتلين الصهاينة.

هذا الحدث، رغم رمزيته، يعكس حجم الغضب العربي تجاه الاحتلال، ويفند الادعاءات بأن الفلسطينيين أصبحوا قضية من الماضي.

في ختام مقاله، يحذر هيرست من أن المنطقة مقبلة على مزيد من التصعيد، حيث لا يبدو أن هناك أي نية لدى الاحتلال الصهيوني أو الولايات المتحدة للتراجع عن سياساتهما الحالية.

فقيادة الاحتلال الصهيوني مستمرة في توسيع الاستيطان والقضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها الأعمى لكيان الاحتلال دون أي محاولة لفهم تعقيدات الوضع على الأرض.

وبينما يعتقد ترامب وفريقه أن بإمكانهم إدارة المنطقة بنفس الطريقة التي فعلوها في 2017، فإن الواقع قد تغير. فالمقاومة الفلسطينية أصبحت أكثر صلابة، والمجتمعات العربية أكثر وعيًا وتأثرًا بالأحداث، وحتى داخل الولايات المتحدة، بدأ الرأي العام يتغير، حيث تتزايد الأصوات التي تنتقد السياسات الصهيونية وتطالب بموقف أكثر توازنًا.

لكن في الوقت الراهن، ومع بقاء نتنياهو في السلطة، واستعداد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، يبدو أن المنطقة ستظل رهينة لسياسات التصعيد والتطرف، مما يجعل المستقبل أكثر غموضًا وخطورة.

https://www.middleeasteye.net/opinion/us-israel-trump-netanyahu-west-bank-blow-up-region