لقد أقبل شهر الرحمة والكرم، هي الأيام المباركة التي لا تبخل علينا بكرمها، ومن محاسن تلك الأيام الكريمة بأنّها فرصة لقاء أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض، فرصة التقارب والتلاحم الأُسري ما بين جميع الأفراد داخل الأسرة، وكيف لا يكون ذلك وشهر الصوم يقوم على التراحم والمودّة، وواجب علينا استثمار تلك الأيام في شهر الرحمة والغفران.

بمجرد دخول أيام شهر رمضان الكريم، يزداد سماع آيات القرآن الكريم داخل البيوت، ويكثر الدعاء لله سبحانه بالخير ودوام النعم وزوال الغمّ، ويرتفع معها منسوب الصدقات ومساعدة المحتاجين، وينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تبادل الكلمات الطيبة؛ ولكن مع التدفّق الكبير لذلك التيّار الطيب من أفعالٍ وأقوالٍ، لنسأل أنفسنا: أين نحن من أبنائنا في تلك الأوقات! هي دعوة للآباء والأمهات بألا ينسوا الأمانة الكبيرة التي هم مسؤولون عنها ألا وهي الأبناء وتربيتهم ورعايتهم، لذلك لنستثمر الأيام المباركة لنحدّث فيها أبناءنا عن شهر رمضان وبركته ليعيشوه معنا بكل تفاصيله، ليكون شهر الصوم أيام فرح لديهم.

إنّ تشجيع الطفل على الصيام تدريجياً يؤدي إلى إكسابه عادات غذائية وروحانية وأخلاقية تستمر معه في جميع مراحل عمره.

وعلى الأهل أن يقوموا بشرح القيم الدينية والروحية لشهر رمضان لأطفالهم حتى يدركوا الحكمة من الصيام، ويتعرفوا على أهميته وليزرعوا فيهم احترام تعاليم دينهم وسُنّة نبيهم لتطبيقها على الوجه الأكمل، ويجب أن يكون تدريب وتعليم الطفل الصيام بالتدريج بحيث يسمح للطفل الصغير بالإفطار في منتصف النهار إذا لوحظ عدم قدرته على المواصلة على الصيام على أن يتأخر موعد إفطاره بالتدريج وصولاً إلى الصيام حتى المغرب، ويمكن تقسيم اليوم إلى أجزاء يُطلب من الطفل الامتناع عن الطعام والشراب في بعضها تمهيداً إلى صيام كل اليوم، ومن الأفضل ربط أوقات الصيام بأوقات الصلاة، بحيث يكون القسم الأول من صلاة الظهر إلى العصر، والثاني من صلاة العصر للمغرب وهكذا، ولكن يجب مراعاة ألا تأخذ الطفل الحماسة في سن مبكرة يضره فيها صيام اليوم كله.

حيث إنّ واجب الآباء والأمهات أن يُفهموا الطفل أنّه ليس مُكلّفاً، وأنّ الله يحبُّ له أن يأكل ويشرب حتى يصبح فيما بعد مسلماً قوياً، هذا ويمكن البدء في تدريب الطفل على الصيام من سن السابعة أسوةً بالصلاة، كما يفضّل استخدام مبدأ التعزيز والمكافآت لتشجيع الأبناء على الصيام، ولجعل من أيام رمضان متعة أكبر للأطفال يجب على الأهل أن يعدّوا مسابقات بين الأبناء تزيد من ذخيرتهم المعرفية والدينية، فذلك يزيد من الروح الإيجابية والألفة داخل البيوت.

رمضان شهر الرحمة والإحسان، فيه تَنزّل القرآن على نبي الرحمة والإحسان محمد عليه الصلاة والسلام، ولهذا الشهر الفضيل نكهة خاصة وطقوس مميزة، فنهاره صيام، وليله قيام، وفيه تكثر الرّحمات، والأبناء زينة الحياة ونعمة من الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نحسِن تنشئتهم ونزرع بهم الأخلاق والعادات الطيبة والقيم الحسنة، كالصبر والعطاء والتعاون والكرم والإصرار والعزيمة وجميعها يمكن تعلمها في شهر الصوم! ومع الأيام الأخيرة لشهر الخير والرحمة، عسى الله أن يكتب لنا ولكم القبول، ويرفع عنا البلاء والغمّ.. اللهم يا رب!